مع توالي الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وبخاصة بعد اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة وما تبعه من اعتداءات إسرائيلية غير مسبوقة قد يتساءَل المحلّل: هل يجب على الشعب الفلسطيني أن ينحني للعاصفة ويُؤثِر السلامة بحكم أنه لايملك أوراقاَ كثيرة للرد في وجه عدو متغطرس مدجّج بالسلاح مسنود بقوة عظمى هي الولايات المتحدة (بل وبالغرب كله الذي قد يدين بعض ممارسات اسرائيل قولاً ولكن يدّعمها بالفعل)، أم أنه يجب عليه أن ينتهز هذه اللحظة التاريخية لكي يُصّعد نضاله الذي قد يأخذ أشكالاً عديدة من الهبات الشعبية السلمية ?لى الفعل العسكري المقاوم وصولاً إلى إجبار العدو على الاعتراف بحقه المتمثل في إقامة دولته الوطنية على أرضه وفق قرارات الشرعية الدولية وعاصمتها القدس الشرقية؟ إن المتغيرات الأخيرة في المنطقة والعالم يمكن استثمارها لصالح النضال الفلسطيني وبالتالي الأخذ بالخيار الثاني ويمكن توضيح هذه المتغيرات على النحو الآتي: أولاً: هيمنة اليمين الإسرائيلي على السياسة الإسرائيلية إلى درجة أن رئيس وزراء إسرائيل الحالي «نفتالي بينت» هو رئيس سابق لمجلس المستوطنات الإسرائيلية، وهو ينكر بشكل صريح وفعلي أية حقوق للشعب الفلسطيني في أرضه وقدسه، الأمر الذي يعني أن لا مجال لحلول وسط مع هكذا قيادة متطرفة مُؤّيدة برأي عام إسرائيلي يميل إلى اليمين بشكل واضح ومنذ فترة ليست قصيرة.
ثانياً: وقوف الأردن وهو المعني أكثر من أيّ دولة عربية أخرى بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي -رغم تواضع إمكاناته وارتباطه بمعاهدة مع اسرائيل- إلى جانب حل الدولتين وتركيزه–وبغض النظر عن تطبيع بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل–على الحق الفلسطيني بصورة واضحة مُدعماً في ذلك من أغلبية الدول العربية والأهم من ذلك بالرأي العالم العربي الذي لا يزال يؤمن بمركزية القضية الفلسطينية، وحق الإنسان الفلسطيني في أن يعيش مثل بقية البشر في ظل دولة، وعلم، وهوية.
ثالثاً: دعم أنظمة إقليمية مهمة للنضال الفلسطيني فإيران–وبالرغم من أطماعها الإقليمية في المنطقة العربية–ما زالت تؤيد الحق الفلسطيني وتدعمه حتى بالسلاح (في غزة) وهي ترى أن القضية الفلسطينية هي إحدى ساحات صراعها المزمن مع أميركا وإسرائيل، يضاف إلى ذلك موقف السعودية التي ترفض «التطبيع» بدون حلّ عادل للقضية الفلسطينية، أما تركيا وهي الدولة الثالثة المهمة في الأقليم فإنّ سياستها تشهد «استدارة» باتجاه إسرائيل ولكن لا يمكن لهذه الاستدارة بفعل عوامل موضوعية لا مجال لذكرها هنا أن تصل إلى حد أن تصبح تركيا معادية لنيل?الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
رابعاً: الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي تمخضت عن موقف غربي يتَّسِم بالازدواجية المعيبة المتمثلة في إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا وشن حملة «صليبية» من العقوبات والمواقف ضد روسيا وفي نفس الوقت السكوت المُريب عن المقارفات الإسرائيلية المشهودة.
إن الفرز الذي تمخضت عنه هذه الحرب قد يجلّي المواقف الدولية أكثر إزاء القضية الفلسطينية: «الغرب» الذي يؤيد إسرائيل وإن اضطر لادانتها لفظياً أحياناً، «والشرق» (روسيا والصين أساساً) الذي يؤيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يخلق زخماً عالمياً مهماً مؤيداً للقضية الفلسطينية.
إن الشعوب المناضلة من أجل حريتها يجب أن تقرأ المتغيرات السياسية بدقة ويجب أن تستغلها لصالح مشروعها النضالي، وإنّ مما لا شك فيه أن النضال الفلسطيني–وبغض النظر عن بعض الأحداث المحبطة في المنطقة العربية–لديه الفرصة لتصعيد نضاله وبكافة الأشكال لتحقيق أهدافه. صحيح أنه سيدفع الكثير من التضحيات والدماء ولكن من قال إنّ الأهداف الكبرى للشعوب يمكن أن تتحقق بالقعود والاستخذاء ولنا في تضحيات الشعب الجزائري والشعب الفيتنامي وغيرهما أمثلة لا يمحوها الدهر.