يحكى أنه كان شخص في زمن الجاهلية, اعتنق النصرانية, وكان يتظاهر دائما بأنه من المخلصين, لهذا كان يحاول أن تكون له شخصية مميزة, ودور فعال, إلا أنه كان مكشوفا للجميع, ويعرفون بأنه منافق, يبحث عن الشهرة والمنصب والمكاسب الشخصية, وحين سماعه بالديانة الجديدة (الإسلام)، ذهب (حنون) الى المسلمين واعتنق الإسلام, عله يجد ضالته في الشهرة والقيادة والكسب المادي، إلا انه تفاجأ بأن المسلمين سواسية, لا فرق بين عمار بن ياسر وبلال الحبشي, وبين من كانوا من سادات قريش, فلم يعيروا حنون أي اهتمام، فغضب حنون ورجع الى الديانة النصرانية, فقال به أحد الشعراء هذا البيت: «ما زاد حنون في الإسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل بحنون».
يبدو أن الفكر أو النهج السياسي الحنوني, ما زال يمارس حتى يومنا هذا, ففي القديم غير البعيد كان يطلق لقب (منتمي) سياسيا في بلادنا على من يمارس العمل السياسي, سواء كان ذلك بسبب انتمائه لحزب سياسي عقائدي أو نقابي, أو ممن كان يمارس العمل السياسي في أجهزة الدولة بحكم عمله. وما بين هذا وذاك, كان يطلق عليهم كيفما كان الحال لقب (صاحب فكر سياسي) ويصنف إما معارض أو موالي, وبغض النظر عن موقعه, سواء كان في داخل منظومة الدولة أو خارجها, وكان أغلبهم ذا ميول سياسية ما بين أقصى اليسار إلى أقصى اليمين, أو قوميين أو ليبراليين أو ما بين هذا وذاك. وكان السياسي آنذاك يخجل من تغيير مبادئه وعقيدته, إلا في حدود تغيير القناعات بخلافات فكرية مبررة, وإن كان ذلك محدودا.
أما اليوم فلم يبق من هؤلاء إلا ما رحم ربي, وأغلبهم قد اعتزل السياسة. فلقد تغير كل شيء, فلم يعد السياسي مرتبطا بعقيدة أو فكر او إنتماء, لا تدري ما هي أهواؤه, فكلمة (وسطي) أصبحت مخرجا للكثير من أصحاب الفكر (الحنوني). والمضحك أن الكثير منهم يطلقون على أنفسهم لقب المعارض الوطني, ونجدهم يتنقلون مثل حنون ما بين الحزب الفلاني إلى الحزب العلاني, ومن تجمع إلى تجمع, ومن كتلة إلى كتله, فاذا ما وجد ضالته بموقع يتناسب وطموحاته, بقي واستمر تحت طائلة التغيير في أي وقت. أما اذا أخرج عاد إلى سيرته الأولى, أصبح معارضا وطنيا متشددا, تخلت عنه الدولة, لأنها لم تقدر إنجازاته, فإذا أخرجته الحكومة من الباب دخل عليهم من نافذة المعارضة والمناكفة, على قاعدة (أنا أعارض أنا موجود) وهكذا دواليك.
عند مشاركتنا في المناسبات الخاصة, أو في الندوات أو ورش العمل, تجد هؤلاء وهم كثر, يتصدرون المشهد, يتحدثون بالمثاليات ويتغنون بإنجازتهم في العمل العام, فعندما يسألك شخص لا يعرفه من هذا؟ وبعد أن تحدثه عن سيرته الذاتية, يسألك عن فكره, وكيف أصبح على ما هو عليه؟ وهل هو معارض أم ماذا؟ فلا يخطر على بالك الا أن تجيبه: إن هذا من فئة حنون السياسة الأردنية.