لا يجوز مرور مجريات تشييع الشهيدة شيرين أبو عاقلة مرور الكرام، فلم يكن ما جرى تشييعا لإعلامية سقطت برصاص المحتل، لكنه كان فرصة ليعبر أبناء الأمة خاصة على ضفتي نهر الأردن عن حقيقة مشاعرهم وجوهر نظرتهم لما يجري في فلسطين، وأنه احتلال استيطاني مرفوض من أهل البلاد الأصليين، الذين يؤمنون بضرورة تحرير أرضهم كل أرضهم، ولذلك فإنهم يقدسون الشهادة ودماء الشهداء، عندما تبذل في مقاومة هذا المحتل، وكشف حقيقته البشعة، والأهم من ذلك إنهما: الشهادة ودماءها يوحدان أبناء الأمة على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم وأديانهم، وقد قد? تشييع الشهيدة المرحومة بإذن الله شيرين أبو عاقلة أنصع صورة لهذه الحقيقة، عندما تعانق اذان المساجد مع قرع أجراس الكنائس أثناء التشييع، وعندما كان المطارنة يصلون عليها فيقول المسلمون والمسيحيون من خلفهم «آمين» حتى إذا ما انتهت صلاة الآباء عليها حملها المسلمون على أكتافهم يكبرون ويهتفون... «والشهيد حبيب الله» في برهان جديد على أن رابطة الوطن بين أبنائه أعمق بكثير مما يظن بعض الجهلة، الذين يتناسون أن حب الوطن من الدين، وأن من مات دون أرضه فهو شهيد.
لقد كشفت مجريات تشييع جثمان الشهيدة شيرين بصورة عملية ملموسة أن أبناء الأمة يرون إسرائيل عدوا حقيقيا، وأن فلسطين هي قضية الأمة الأولى، وهذا تأكيد عملي لما توصلت إليه استفتاءات مراكز الدراسات من أن غالبية أبناء الشعب الأردني يرون بأن قضية فلسطين هي قضيتهم الأولى.
لقد زاد من وضوح دلالات التشييع المهيب لشيرين ارتباطها بالقدس، فالقدس كانت على مدار تاريخ الأمة هي المحرك المركزي للقضية والعمل من أجل تحريرها، وهو دور سيعود للقدس قريبا، وسيكون تشييع شيرين محطة مهمة من محطات هذه العودة.
دلالة أخرى من دلالات تشييع شيرين، هو مدى رعب العدو الصهيوني من كل رمز أو إشارة من رموز وإشارات وعي الأمة وصحوتها، لذلك كان هذا العدو طوال الأيام الماضية يحاول أن يعرقل تدفق الناس لموكب تشييع الشهيدة، لأن هذا التدفق يشحذ روح الشهادة لدي جماهير الأمة، كما حاول هذا العدو منع أي رمز من رموز العزة والكبرباء لذلك فقدت السلطات المحتلة لفلسطين أعصابها، وتصرفت بعنف وهمجية لمنع رفع علم فلسطين أثناء التشييع لأن العلم يحرك لدى الناس مشاعر الاعتزاز والكبرياء والحرية والاستقلال، وهي مشاعر يخاف منها المحتل.
رغم كل همجية المحتل فقد فجر تشييع شيرين كل هذه المشاعر، التي علينا أن نلجأ إلى كل الوسائل كي نبقيها متأججة، لأن العدو المحتل سيسعى بكل جهده لإطفائها.
دلالة أخرى من دلالات تشييع شيرين أبو عاقلة، هي أن الموت يكون لحظة الولادة والخلود لبعض بني البشر وأولهم الشهداء، لذلك فإن الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة صباح الأربعاء الماضي، كانت في الحقيقة شهادة ولادة وخلود لها في ضمير الأمة وتاريخها يرحمها الله.