ما تزال الأزمة المرورية قائمة وعلى مدار الساعة والأسبوع والشهر سواء في المدن الرئيسية وحتى في القرى، وما تزال الحاجة عاجلة لإيجاد حلول مناسبة وناجعة لتلك المعاناة الشديدة والتي تزداد وتضيف الأعباء على المواطن والدولة.
مشهد ضاغط على الأعصاب ذلك الذي تحدثه الأزمات المرورية، إضافة للتجاوزات الخطيرة لبعض السائقين وتصرفاتهم العجيبة من السرعة والمخالفة وعدم التقيد بقواعد السير وأمور عديدة تضاف إلى الأزمة المرورية الخانقة وخصوصا في أوقات الذروة وحتى مع إغلاق شرطي السير لبعض المنافذ الرئيسية والفرعية والسماح لسيارة واحدة بالمرور تباعا.
أعداد السيارات الكبيرة جنبا إلى جنب مع أعداد المخازن التجارية والمولات والشركات العامة والخاصة، وعدم وجود مواقف في البنايات السكنية يفاقم المشكلة والتي تتحول في مواقف محددة إلى مشاحنة وتلاسن وصراخ وشجار لأسباب تكشف جوهر الأزمة من تدني مستوى الأخلاق واحترام حقوق الآخرين ولدرجة تجبر البعض على وضع حجارة وقوالب صلبة وإشارات لعدم الاصطفاف أمام كراج البيت وعلى جوانب الأرصفة.
ليست هي أزمة مرورية وحسب، إنها أزمة أخلاقية تجعل البعض يتجاوز مسربه ويخالف القواعد الأساسية لقانون السير والأدهى من ذلك كله اعتقاده بأنه على صواب وأن ما فعله يعتبر ذكاء وحسن تدبير.
كثرت أعداد السيارات في الشوارع بشكل غير طبيعي مع بقاء مساحة الشوارع كما هي من مدة زمنية طويلة، ولعل الحلول التي نفذت من قبل الجهات المعنية، ساهمت في دفع المشكلة من مكان مزدحم إلى مكان اقل ازدحاما وتحوله إلى خيار وبديل ومن ثم إلى منطقة مزدحمة ومزعجة خصوصا مع ضيق المساحة وضغط الأعصاب من السائقين والمشاة ومن يقفون في عرض الشارع ويتحدثون عبر الموبايل ولا ينظرون في الاتجاهات وتحديدا من خلفهم والأزمة التي يصنعونها بالاستهتار والأنانية.
نسبة ليست بالقليلة ممن يعتقدون بقدراتهم على قيادة السيارة، عليهم التوقف فورا عن المغامرة بقيادة السيارة في أوقات غير مناسبة وأماكن قرب المطاعم ومراكز التسوق والبنوك والمخابز ومحال بيع الخضار وأمام البيوت.
المواقف المتسرعة وفي الشارع العام هي سبب رئيسي وأساسي لما يحدث من أزمات خانقة وحادة قد تصل إلى المواجهة والحوادث والانفعال والتهور ومخالفة القانون والاعتداء على خصوصية الآخرين وإشاعة الفوضى والتطاول.
العديد من الحلول المطروحة تفرض نفسها هندسيا وفنيا، تجد التحديات والصعوبات في التنفيذ والوقت الطويل، ولكن وبالفعل، ليست هي الأزمة المرورية فقط ولكنها مؤشرات جوهرية لأسلوب التعامل مع النعم العظيمة التي حبانا الله بها والرؤية التي ننظر بها إلى الحياة والمعيشة والتصالح مع النفس؛ أحيانا ومهما بلغت قيمة السيارة من مبالغ ضخمة ومهما قلت، إلا أن الرهان على من يقود تلك السيارة بفن وذوق وأخلاق.
دخول الهاتف النقال إلى الحياة وإلى السيارات، كارثة بحتة؛ ترى هل يوجد ما يستحق التحدث بالهاتف النقال طوال فترة القيادة، وهل من مبرر لاستخدام الهاتف النقال؟ بل وهل وصلنا لدرجة من الإدمان على ذلك وعدم المبالاة من نتائج تحكم الهاتف النقال في حياتنا وليس العكس؟
أمور كثيرة يمكن تأجيلها لحين العودة إلى البيت ومنها الأكل والشرب في السيارة والتوقف الجنوني أمام محال القهوة ومهما كلف الأمر من التجاوز وتغيير المسرب لمجرد شرب القهوة والتي يمكن شربها في البيت فقط لا غير.
ليست الأزمة المرورية وحسب ما نعاني، ولكن ثمة العديد من المؤشرات التي تدفعنا للخجل مما يحدث من تجاوزات أخلاقية لنسبة ليست قليلة من السائقين والسائقات وممن يعتبرون الشارع ملكهم لوحدهم ويتصرفون وفقا لذلك بتصرفات لا تليق. ليس الأمر في امتلاك سيارة، ولكن الأهم تعلم أصول القيادة وذلك ينعكس على جميع مجالات الحياة وإدارتها بطمأنينة وشجاعة وحسن تصرف ورقي وتحضر والوصول إلى المبتغى بأمان.