لا يخفى على الجميع أهمية القدس ومكانتها الإسلامية، فهي في العقيدة الإسلامية الأرض المباركة بإجماع المفسرين والتي تمثل الشام وفلسطين والقدس، وهي الأرض المقدسة (المطهرة) بمعالمها المقدسة في المسجد الأقصى وقبة الصخرة ما يمثل الحرم القدسي الشريف، والمسجد الأقصى الذي تشد اليه الرحال، أرض الإسراء والمعراج وأولى القبلتين وأرض الرباط والجهاد أرض المحشر والمنشر، والقدس منذ الفتح الإسلامي عام 638 م في عهد عمر بن الخطاب (العهدة العمرية) ورؤيتها في التسامح والحرية والعدل.
وفي التاريخ الحديث وحتى الفتح العثماني عام 1516 كان للقدس أهمية إدارية إلى جانب كونها (دينية) في القرن التاسع عشر دعماً لمكانتها وتلافياً للأخطار التي كانت تتهددها نتيجة المنازعات بين الدول الأوروبية على الأماكن المقدسة وخلال أحداث الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) ودور العرب في أحداثها، من جهة العرب الانفصاليين عن (الدولة التركية) الدولة العثمانية وسياستها العنصرية «الطوارنية»، وسيطرة حزب الاتحاد والترقي CUP على الحكم وإعدامات جمال باشا السفاح للمثقفين العرب، كان ذلك إيذاناً باندلاع الثورة العربية الكبرى وزعيمها(الشريف حسين بن علي) شريف مكة 10/6/1916.
وما أن وضعت الحرب أوزارها 1918، إلا وبدأت تنكشف الاتفاقات السرية الاستعمارية (سايكس بيكو 1916)، وعد بلفور 1917، سان ريمو 1920، فقد كان عام 1917 عام شؤم على فلسطين والقدس. ووطن قومي لليهود في فلسطين، وتم احتلال الانجليز لفلسطين بانسحاب الجيش العثماني، وبدخول الإنجليز فلسطين والقدس انتهى الحكم الإسلامي لها الذي دام ثلاثة عشر قرناً.
وقد قامت حركات وثورات عربية فلسطينية عام 1920، 1929 (البراق) وثورة 1936، وكانت تقمع من الإنجليز والصهاينة اليهود، ودامت فترة الانتداب (1917_1948) وقسمت خلالها القدس عام 1918 إلى القدس الغربية (اليهودية) والقدس الشرقية (العربية)، وفي عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم لفلسطين دولة يهودية ودولة عربية والقدس دولية.
وقد آثر العرب الحرب عام 1948 وسيطر الجيش العربي الأردني على القدس الشرقية واحتفظ الجيش الأردني الوحيد بالسيطرة على المدينة القديمة واللطرون ورام الله وجسد شهداء الجيش الأردني مثال التضحية.وعند انعقاد الهدنة عام 1949 قسمت القدس إلى قسمين: شرقي/ سيادة أردنية، وغربي/ سيادة إسرائيلية. وكانت مساعي الملك المؤسس عبدالله بن الحسين للوحدة مع الضفة الغربية والقدس التي تمت عام 1950 (وحدة الضفتين)، وحل وقتها مجلس النواب الأردني وكان عددهم (40 نائبا) وتم انتخاب 20 نائبا عن الضفة الغربية و 20 نائبا عن الضفة الشرقية، وعمان العاصمة الأولى والقدس العاصمة الثانية.
بقيت الضفة الغربية والقدس حتى حرب حزيران عام 1967 الحرب غير المتكافئة، وتم احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية. وانتهت الحرب بعد قرار مجلس الأمن رقم (242) بانسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلت في حزيران 1967 وقرار (338)، وتسليط الضوء على اهتمام الهاشميين في القدس والمقدسات الإسلامية منذ الثورة العربية الكبرى 1916، إذ كانت القضية الرئيسية في (مراسلات الحسين – مكماهون) بما فيها الحرم القدسي الشريف.
فقد تأكدت الوصاية الهاشمية برعاية الأماكن المقدسة في القدس وإعمارها من خلال مبايعة أهل القدس وفلسطين للشريف الحسين عام 1924 وبدأ باعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وقدم مبلغ (24 ألف ليرة ذهبية)، وكانت وصيته أن يدفن في حرم المسجد الأقصى عام 1931، وكان استشهاد الملك المؤسس عام 1951 على عتبة المسجد الأقصى وقبة الصخرة بعد مرور خمسة عشر شهراً على إعلان الوحدة بين الأردن وفلسطين.
أما في عهد الملك حسين بن طلال (باني الأردن الحديث) فقد أمر بتشكيل لجنة إعمار الأماكن المقدسة في القدس عرفت بقانون رقم 32 لسنة 1954م. وعندما تعرض الأقصى للحريق عام 1969، أعادت اللجنة أعمال الإعمار كما كان عليه قبل الحريق، وحصلت اللجنة على جائزة عالمية للعمارة.
وفي عهد جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين عام 2002م بادرت لجنة الإعمار بوضع تصاميم هندسية لإعادة تصميم المنبر (منبر صلاح الدين الأيوبي) على صورته الحقيقية كما كان في عهد صلاح الدين الأيوبي عام 1187م. وفي عام 2007 أعيدت صناعته من خشب الأرز بكلفة مالية نحو 2 مليون دينار.
وهناك موازنة أردنية تقارب من 600 مليون دولار/ لموازنة الأوقاف في القدس والمحاكم الشرعية وحراسة المسجد الأقصى وموظفيه. ويجب أن نذكر أنه عند قرار فك الارتباط الإداري والقانوني بين الأردن والضفة الغربية عام 1988م، استثنى الملك حسين بن طلال الأماكن المقدسة في القدس من فك الارتباط، وعند اتفاقية وادي عربة 1994 (معاهدة السلام الأردنية _ الإسرائيلية) أكدت بعض نصوصها على دور المملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية.
وفي عمان 31/3/2013 تم توقيع اتفاق الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس بين جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وتعد هذه الاتفاقية الأولى التي وقعها جلالة الملك كوصي على الأوقاف والمقدسات في القدس مع الرئيس الفلسطيني، دعماً للموقف العربي والإسلامي ونيابة عن الأمة الإسلامية لوقف أية اعتداءات اسرائيلية، وقوة الدفاع عنها.
وهذا يعزز موقف الأردن في مواجهة التحدي لدى المجتمع الدولي الذي يحتاج إلى تضافر الجهود للأمة العربية والإسلامية في سبيل الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك وباقي المقدسات في مدينة القدس، كما تعبر عن وحدة الموقف بين الأردن وفلسطين وتعزيز العلاقة التاريخية بين الشعبين وحماية القدس وهويتها العربية الإسلامية.
وما نجده اليوم من مواقف جلالة الملك في ظل سياسة الغابة الدولية، الموقف الواضح من القدس والمقدسات، وأنه وريث الهاشميين في الوصاية عليها، إلى جانب مواجهة تحديات التوطين والوطن البديل بما يستند عليه من الشرعية الدولية، وتضافر الجهود العربية الإسلامية في سبيل المحافظة على عروبة القدس، وقد أشار جلالته أكثر من مرة من أنه يستند على التجربة الوطنية الأردنية عبر التاريخ السياسي الأردني في مواجهة التحديات، ولعله يباهي العالم كله عندما يتحدث عن الوحدة الوطنية في أنها أقوى سلاح يجابه به التحديات، إلى جانب ما يخوض أقوى الحراكات السياسية والدبلوماسية العالمية للمحافظة على الوضع التاريخي للقدس وفلسطين، ومن أنه لن يكون هناك حل دائم للنزاع العربي الإسرائيلي دون إنصاف لقضية القدس ودولة فلسطين المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية.
حمى الله الأردن وحمى الله القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في ظل القيادة الهاشمية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.