في يومنا هذا يتنامى الطلب على السلع العامة سواء كان الأمر يتعلق بالتجارة أو التدفقات الرأسمالية أو الهجرة، فمع كل أزمة جديدة تزداد أهمية السلع العامة العالمية في حياتنا، فنتيجة لجائحة كورونا تنامى الطلب على الصحة العالمية، ونتيجة لأزمات اللجوء زاد الحرص على تحقيق السلام العالمي، ونتيجة لتغير المناخ زادت الرغبة في الحفاظ على البيئة العالمية.
لقد ساهمت التغيرات التي يشهدها العالم في وجود سلع تتشابه في صفاتها العامة العالمية. حيث تعرف السلع العامة على أنها تلك السلع المتاحة للجميع وتمتاز بأنها لا تستبعد أحداً، وسلع تنافسية في طبيعتها أي يمكن للفرد الاستفادة منها عدة مرات دون أن يقلل ذلك من المنافع التي تعود على غيره.
تُقدم السلع العامة للأمم والشعوب على أنها مادة للحضارة: فالأمن والسلامة والتنمية والتطور والنمو والاستقرار الاقتصادي وإنارة الشوارع والطرق كلها سلع عامة. إن نطاق السلع العامة يمكن أن يكون محلياً أو إقليمياً أو عالمياً وتؤثر منافعها على سكان الأرض وتشمل الكثير من مناحي الحياة بدءاً من الطبيعة والتاريخ والثقافة والتقدم التكنولوجي.
تختلف السلع العامة في طبيعتها عن السلع الخاصة تلك المعروضة في المحلات التجارية التي يمكنك اقتناءها لقاء مقابل مادي لتلك السلع، أما السلع العامة فهي غير موجودة في متجر ولا يمكن إمتلاكها لقاء ثمن زهيد وإنشاؤها أصعب بكثير من توريد السلع الخاصة ويشكل تأمين السلع العامة تحدياً حقيقياً. وتسعى السلع العامة لتقديم منفعة دون تحقيق الربح، حيث أن موردي السلع العامة (الدول) لا يستطيعون منع الأفراد من استخدامها بغض النظر عن مساهمتهم في توفيرها من عدمه وتعرف هذه المسألة بأنها مشكلة الراكب بالمجان.
إن المنفعة التي تعود على كل فرد غالباً ما تكون صغيرة فمثلاً عندما يكون استخدام أحد الأفراد للسلعة يؤثر على الآخرين مثل اختيار الفرد الحصول على لقاح ليبقى في صحة جيدة وهي منفعة فردية قد تكون صغيرة بالنسبة لغير المعرضين للمخاطر والوقاية من الوقوع في الخطر. وغالباً ما تحقق منافع السلع العامة مستقبلاً في حين تنفق تكاليفها اليوم تماماً مثل البيئة الطبيعية التي ندفع اليوم تكلفتها كالتخفيف من آثار تغير المناخ لتعم الفائدة على الأجيال مستقبلاً. لذلك قد نشهد النقص في المعروض من السلع العامة إذا ترك الامر للقطاع الخ?ص.
إن مشكلة توفير السلع العامة تكمن في التنسيق الذي يضمن مساهمة كل طرف في توفير سلعة عامة والمراجحة بين تكاليفها ومنافعها دون تشويه حيث تقوم الحكومات بدور المنسق لتوفير السلع العامة. وتكون الحكومات قادرة على توفير السلع العامة في ظل وجود مؤسسات قوية وذلك عبر ما توفره الدولة من قواعد تنظيمية، والمؤسسات بالتزامها الضريبي. وهكذا تستطيع الحكومات توفير السلع العامة والقضاء على مشكلة الراكب بالمجان، وتوازن ما بين احتياجات المواطنين في الحاضر والمستقبل.
برأيي، لا بد من التفكير في وضع إطار عالمي يقر بالمسؤولية والالتزام المشترك لإنقاذ الأزمات عبر تعزيز التنسيق وتوفير هياكل شاملة للحوكمة تضمن شرعية القرارات لتشمل جميع سكان العالم. والاستفادة التشاركية لبناء إطار عالمي يوفر سلعا عامة عالمية.