حظيت «ام قيس» في أقصى الشمال الأردني، قبالة نهر اليرموك الخالد، بالتقاء جلالة الملك عبدالله الثاني، سدد الله خطاه، وبحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد الأمين، عدداً من وجهاء منطقة أم قيس، حيث عقد اللقاء في الموقع الذي شهد توقيع وثيقة أم قيس قبل 100 عام، وأكد فيه جلالته على الاهتمام بالجانب السياحي في المنطقة، والاستفادة من المعالم التاريخية والأثرية التي تتمتع بها، بما يعود بالنفع على المجتمع المحلي ويخفف من البطالة والفقر، وبما ينعكس إيجاباً على المنطقة وأهلها، لافتاً إلى أهمية وضع مخطط شمولي للاستفادة من مزايا المنطقة سياحياً وزراعياً.
فأم قيس البلدة الوضاءة ضمن لواء بني كنانة، التابع لمحافظة إربد شمال المملكة، تبعد 28 كم شمال إربد وعلى ارتفاع 364 م، تطل على نهر اليرموك وهضبة الجولان وبحيرة طبريا، وقد كان لموقعها الاستراتيجي بالإضافة إلى وفرة مياهها نقطة جذب للنشاط السكاني، وسميت قديماً «جدارا» وتعني «التحصينات» أو'المدينة المحصنة»، وتحتفظ بأهم البقايا الأثرية: كالمدرج الغربي وشارع الأعمدة وكنيسة المقابر المزينة.
لقد كان لي شرف الاشتراك بمعسكر الحسين للعمل والجندية في أم قيس (1962)، مع أقراني، عندما كان ذلك، ولأول مرة في الأردن، متطلباً للانتقال إلى الصف الثالث الثانوي-أي النهائي في المرحلة الثانوية، اذ طبقت الفكرة في الوزارة الأولى التي شكلها المرحوم وصفي التل، والتي كان يقصد من خلالها تنشئة الشباب الأردني على العسكرية والعمل التطوعي، بما يسهم في تنمية روح انتمائهم الوطني، لقد عملنا كمشاركين في ذاك المعسكر في التحريج وصيانة الآثار وتدربنا على النظام العسكري وحياة الخلاء والتخييم، وقد رعى الملك الحسين طيب الله ثراه، الاحتفال والاستعراض العسكري عند اختتام دورة معسكرات الحسين والذي جرى على شارع الملك الحسين بمنطقة العبدلي، حيث مررنا من موقع ما يعرف الآن بدوار الداخلية (دوار جمال عبد الناصر) إلى مبنى أمانة العاصمة القديم، ما يعرف الآن بالساحة الهاشمية، بينما كانت المنصة الملكية العالية أمام معسكر العبدلي– مقر القيادة العامة بشكله القديم، وقد خاطبنا جلالته بكلمة توجيهية شبابية ورد على تحيتنا العسكرية عند مرورنا من أمام المنصة، وكنا قد حضرنا قبل الموعد بليلة واحدة مصطحبين معنا (بطانيات الفراش) وبتنا في الخلاء في الحيز الذي بنيت عليه وزارة الداخلية فيما بعد، وتشغله حاليا محافظة العاصمة.
عندما تدخل «أم قيس» تواجهك عبارة منقوشة على حجر الشاهد الذي كان منصوباً على قبر الشــاعر الكبير القديــم «أرابيوس» يخاطب فيها الضيوف قائلاً «أيّهـَا المـَارُّ مِن هـُنا، كمَا أنت الآنَ، كنت أنا، فتمتـّع بالحياةِ»، وتتميز أم قيس بآثارها المحافظة على شكلها الأساسي إلى اليوم، وقد بدأ ترميمها منذ 1930، بينما ابتدأت الحفريات الأثرية والمسوح فيها عام 1961 عند فتح طريق الحمة، وتتالت المسوحات والتنقيبات. وهي تلك الجهة التي يقول الكتاب المقدس عنها: «إنها البقعة التي طرد فيها يسوع المسيح الأرواح الشريرة».
وهي اليوم تتطلب تفاعلاً رسمياً وشعبياً في ضوء الاهتمام الملكي السامي..