يتقدم جلالة الملك بخطوات كبيرة على الجهات الرسمية في التعاطي مع ملف الإصلاح الاقتصادي فهناك جهد ملموس وجولات مكوكية لجلالة الملك في انحاء المملكة كافة يهدف من خلالها إلى حث المجتمعات المحلية على استثمار مواردهم الزراعية والسياحية والصناعية..
وفي هذا السياق فإن ما يدعو اليه جلالته يعتبر أحد المفاتيح الجوهرية لمعالجة مشكلة المديونية التي تواجهها البلديات, في مختلف أنحاء المملكة, لذلك لا بد أن ندرك أن جوهر المشكلة يكمن في العقلية النمطية التقليدية في إدارة مواردها بعيداً عن التفكير الإبداعي، فهي تعتمد في تحصيل إيراداتها على المخصصات التي تحصلها من الحكومة, أو على الإيرادات الذاتية مثل: الإيجارات والضرائب، المسقفات والتراخيص والرسوم, التي تحصلها من المواطنين, وحتى هذه المداخيل لا يتم تحصيلها بشكل صحيح, بسبب تأثير العامل الاجتماعي مثل: المحاباة والواسطة والجهوية, وغيرها من العوامل الاجتماعية, وأغلب ما يتم تحصيله لا يذهب لتقديم الخدمات, بل تصرف على النفقات الإدارية ورواتب الموظفين, الذين تفوق أعدادهم أضعاف ما تحتاجه من كوادر للأسباب سالفة الذكر.
الحاجة اليوم أصبحت ملحة للتغيير, في نمط التفكير الإداري والاقتصادي, في تسيير أعمال البلديات, وضرورة الانطلاق نحو الاعتماد على الذات, المبني على الخطط والبرامج التي تهدف الى الاستثمار الأفضل للموارد والثروات الطبيعية, التي تمتلكها البلديات بمختلف أنواعها مثل: الأراضي المواد الخام الموارد الصناعية، الزراعية، السياحية، الخدمات سواء كان ذلك بالاستثمار المباشر أو من خلال الشراكة مع القطاع الخاص.
وهذا يحتاج بطبيعة الحال إلى دراسات وخطط علمية, من قبل أشخاص يمتلكون المعرفة والخبرة والكفاءة, في إعدادها والترويج لها. ذلك أن هذه المشاريع الاستثمارية لا تزيد من مداخيل البلديات فقط، بل تسهم بشكل كبير في توفير فرص العمل, ومحاربة الفقر والبطالة, وتحد بشكل كبير من هجرة الأطراف الى العاصمة, وتسهم في توزيع عادل لمكتسبات التنمية.
واعتقد أن المسؤولية في تحقيق ذلك تقع على عاتق المواطنين أولاً في حسن اختيار ممثليهم من رؤساء وأعضاء المجالس, باختيارهم لمن يمتلكون المؤهل والمعرفة لتولي إدارة البلديات, وتتحمل الحكومات المتعاقبة جزء كبيراً من المسؤولية، فيما وصلت إليه تلك البلديات, فكان الأجدى بها منذ أمد بعيد إدارة وتوجيه هذه البلديات نحو الاستثمار المنتج الصحيح.
وعليه يجب على الحكومة أن تولي سريعاً هذا الملف أهمية قصوى, من خلال إيجاد صيغة تشاركية ما بين المجالس المحلية والوزارات والمؤسسات ذات العلاقة كل حسب اختصاصه وعلى راسها وزارة الإدارة المحلية، الزراعة، التجارة والصناعة، الاستثمار، بالتخطيط بالتنسيق ووضع الخطط والبرامج التي تمكن البلديات من الانطلاق نحو آفاق جديدة من العمل البلدي التنموي, سواء كان ذلك من خلال عقد المؤتمرات وورش العمل, وتقديم الإستشارات التي تمكنها من استثمار منتج ينعكس بالفائدة ليس على البلديات فقط, بل وعلى الوطن بصفة عامة.
وفي النهاية فإن أفضل مثال على العقلية المتطورة في إدارة الاستثمار الناجح للموارد الذاتية, يمكن في استنساخ تجربة أمانة عمان, التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المضمار, بل وانشأت لهذه الغاية شركة خاصة لإدارة أصولها المالية, أسمتها شركة رؤيا للاستثمار.