تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام2002, إستناداً لما يعرف بنظام (روما الأساسي) لعام 1998, والمحكمة هيئة دولية مستقلة, غايتها محاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الحرب, والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية, وجرائم العدوان.
والمحكمة تقوم بهذا الدور, ما لم تقم المحاكم الوطنية بذلك أو كانت غير قادرة, أو غير راغبة بذلك.
ويبلغ عدد الدول الموقعة على النظام الأساسي للمحكمة (121) دولة, ولم توقع أميركا وإسرائيل على الميثاق, وانسحبت روسيا لاحقاً عام2016, من التصديق على الميثاق, مع الإشارة إلى أن التوقيع على الميثاق (غير ملزم) للدول ما لم يتم لاحقاً المصادقة عليه من قبل الدولة, إلا إذا هي إرتضت أن يكون التوقيع إقراراً بولاية المحكمة, ولكن ذلك لا يمنع المحكمة من إجراء المحاكمة بحق أي من الأشخاص الذين يرتكبون جرائم حرب وفقاً لاختصاصها, حتى وإن كان ينتمي لدولة لم توقع أو تصادق على الميثاق, ويتم ذلك بثلاث حالات: في حال أحالت دولة طرف إلى مدعي عام المحكمة، إذا أحالها مجلس الأمن، أو إذا قام مدعي عام المحكمة بمباشرة تحقيق, إذا توافرت لديه المعلومات والوثائق التي توحي بوجود إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة (5) من نظامها الداخلي.
لقد قبلت أوكرانيا باختصاص محكمة الجنايات الدولية, للنظر في جرائم حرب تدعي أن روسيا ترتكبها أثناء حربها عليها, وقد عبر مدعي عام المحكمة عن قلقه من التقارير الواردة من أماكن النزاع، وأن المحكمة قد تحقق في جرائم حرب محتملة, ارتكبها الجيش الروسي, وهنا مربط الفرس.
فمن أصعب الأمور التي يمكن أن يتعامل معها مدعي عام المحكمة, الدلائل والوثائق والشهود, التي يمكن قبولها كإثبات لإرتكاب جرائم الحرب, لا سيما أن القانون الدولي الإنساني نص بالمجمل على أن التعرض بالقتل أو التعذيب لجميع الأشخاص والفئات, غير المشاركين في الحرب بكافة مسمياتهم, وبغض النظر عن طبيعة عملهم تعتبر بمثابة جرائم حرب, بما في ذلك قصف المناطق المدنية وفقاً للمحددات القانونية.
نعلم جميعاً أن إثبات ارتكاب جرائم الحرب من الصعوبة بمكان, ذلك أن كثيراً من المعارك أصبحت تُدار ضمن مناطق المدن المأهولة بالسكان, وكذلك استخدام أطراف النزاع لوسائل الدعاية الإلكترونية, في محاولة للتحايل وتشويه الحقائق, وتضليل المجتمع الدولي, لإثبات وجود جرائم حرب, أو لكسب تعاطف الرأي العام.
والحقيقة أن المجتمع الدولي يعاني من ازدواجية المعايير في التعامل مع هذا النوع من القضايا, ففي حين تطبق قوانين جرائم الحرب على الدول الضعيفة والفقيرة, يقف العالم عاجزاً عن إدانة هذه الجرائم, التي ترتكبها بعض الدول بحق شعوبها, أو أثناء الحروب بين الدول, وذلك بسبب تمتعها بالنفوذ الدولي, والحماية من الدول العظمى, كما تفعل إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني منذ (73) عاماً.. والأمثلة كثيرة, سواء في أفريقيا أو آسيا, وفي هذا السياق أصبحنا نرى تحيزاً عُنصرياً عرقياً لأوكرانيا ودعماً عسكرياً ولوجستياً وإعلامياً لا محدود في حربها مع روسيا، التي أثبتت بلا شك حجم (العنصرية العرقية) لدى العالم الغربي, في التعامل مع الشعوب غير الأوروبية.