لا أحد يجادل في مدى اهمية الاعلام اثناء الحروب والنزاعات ودوره في تزيين او تزوير وقائعها ولقد عرف جيلنا بشاعة ما حدث في الحرب العالمية الثانية رغم قاعدة أرساها غوبلز وزير الدعاية (!) الألماني النازي تقول «ينبغي تكرار الكذبة حتى يصدقها الناس».
في خلال أسبوع واحد منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا رصدتُ أربعة مشاهد إعلامية علقت في خاطري، المشهد الاول لآلاف النازحين هلعاً من الحرب الى الجارة بولندا حيث قواتها الأمنية على الحدود تفحص وثائقهم للعبور الى أراضيها عندما سلطت عدسات التلفزيون حول العالم على اثنين اقتيدا ليعودا من حيث جاءا لأن لونهما اسود وأصلهما نيجيري، ما كشف عن عنصرية تتناقض مع ادعاء الغرب من حرصه عَلى حقوق الانسان.
والمشهد الثاني على تلفزيون «روسيا اليوم» بالعربية إذ عجبتُ للمذيعة كيف تحتفظ بابتسامتها وهي تنصت لضيفها من واشنطن المحلل السياسي توم حرب عضو الحزب الجمهوري وهو يهاجم روسيا ووحشية جيشها ودكتاتورية رئيسها الذي يغيّب الديمقراطية فترد بان الغرب قطع بثّنا عن شعوبكم فحرمها من حقها في معرفة رأينا، وتذكّره بلطف ان العنصرية والتمييز لصالح البيض ما زالا سائديْن في بلاده، وربما لتستثير فيه حميّة أصوله العربية أحالته الى غزو اميركا للعراق والتدخل المسلح في ليبيا وسوريا وهي بلدان تبعد عنها آلاف الاميال، بينما تحاول روس?ا منذ سنوات عديدة التفاهم مع جارتها أوكرانيا كي تبقى على الحياد ولا تتورط في الانضمام لحلف شمال الأطلسي في تهديد مباشر لأمنها.
والمشهد الثالث لخطاب بيرني ساندرز العضو الديمقراطي المعروف في الكونغرس الاميركي الذي بعد ان انتقد الرئيس الروسي بوتين وحكمه الاوليغاركي استدار الى السياسة الاميركية والغربية الممعنة بتطويق روسيا والزحف بحلف شمال الاطلنطي وجيوشه الى حدودها، ثم بتأجيج روح الكراهية العنصرية في صفوف الأوكرانيين ضد أشقائهم الروس وقد كانوا الى عهد قريب مواطنين متحابين في دولة واحدة هي الاتحاد السوفييتي. وتساءل ماذا لو حاولت دول محاذية للولايات المتحدة ان تتجمع في حلف عسكري معادٍ، هل تبقى واقفة مكتوفة اليدين؟ وذكّر بالرئيس الراحل?جون كنيدي يوم وضع بلاده والعالم على شفا حرب نووية لمجرد نصب بضعة صواريخ روسية في كوبا مع انها لا تقع على حدودها بل تبعد ٨٠ ميلاً عن شواطئها! والمشهد الرابع لمؤتمر صحفي لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وهو يضبط أعصابه ويحتفظ بهدوء دبلوماسي نادر امام أسئلة استفزازية حانقة وجهتها له صحفية أميركية مثل: كيف تستطيع ان تنام وتطبق اجفانك على منظر الضحايا من النساء والأطفال في أوكرانيا؟ فلم يضقْ صدره بل اجاب بان الأوامر المشددة للقوات الروسية تنص على استعمال السلاح بدقة وحذر خشية إصابة الأبرياء من الاشقاء الأوكرانيين، ثم ذكّرها بان الأميركيين اثناء غزو العراق قتلوا مئات الألوف من شعبه ثم استخدموا تعبير ال ((Collaterals)).
وبعد.. ما زال الإعلام الحر المستقل مطلوباً في الحرب، كما في أوقات السلم.