مثيرة للاستهجان محاولات البعض ترسيخ مفهوم صورة الأردن كدولة ضعيفة لا تستطيع الاستغناء عن غيرها, علماً بأنه ما من دولة في العالم بما في ذلك الدول الكبرى قادرة على الاستغناء عن الغير, وقد حاولت بعضها ذلك في مرحلة من مراحل تاريخها لكنها لم تستطع, ولذلك فإن حاجة الأردن للغير ليست دليل ضعف الدولة الأردنية, بل دليل على أن لديها ما يمكن ان يحتاجه الغير من عوامل القوة التي تمتلكها الدولة الأردنية, وهي عوامل مكنتها من الاستمرار مائة عام كدولة راسخة مستقرة ينعم شعبها بالاستقرار الذي لم يأت من عبث بل وفرته دولته القوية.
كثيرة هي مكونات قوة الأردن، التي تنتظر إعادة حسن توظيفها وتطويرها مع بداية المئوية الثانية للدولة.
إن أول مكونات قوة الأردن موقعه الجيوسياسي المتميز والمهم, الذي يجعله عنصر تأثير كما يجعله عنصر ربط واتصال لا غنى عنه للجوار ولما هو ابعد من الجوار, خاصة عندما تتوافر للأردن قيادة ذات بُعد استراتيجي تُحسن توظيف واستثمار موقعه الاستراتيجي, الذي جعله على مدار التاريخ البشري شريكاً في عملية التدافع الحضاري بفعل الدول والممالك التي قامت على أرضه عبر تاريخه.
وعلى ذكر القيادة ذات البُعد الاستراتيجي, لا بد من القول إن من أسباب قوة الدولة الأردنية المعاصرة أنها قامت واستمرت وما زالت بفعل قيادتها ذات البعد الاستراتيجي, فمنذ عهد الملك المؤسس عبدالله الأول وصولاً الى عهد الملك المعزز عبدالله الثاني لم تغب الرؤية الاستراتيجية عن القيادة الاردنية, وهي الرؤية التي كان الكثيرون لا يدركون أبعادها في بعض الأحيان وعند بعض المفاصل, حتى إذا ما اجتازت سفينته الوطن ذلك المفصل أدرك الجميع عمق النطرة الاستراتيجية لقيادة الوطن.
إضافة إلى موقعه الاستراتيجي وقيادته ذات النظرة الاستراتيجية فإن من مكونات قوة الأردن وموارده البشرية, وهي عنصر القوة الذي يحاول الذين يروجون لنظرية ضعف الأردن تجاهله, متناسين أن الأردنيين رغم قلة ذات يدهم وانعدام مقومات الدولة العصرية القابلة للحياة عند لحظة التأسيس للدولة الأردنية المعاصرة, استطاعوا خلال عقود قليلة أن يبنوا إدارة عامة صارت نموذجاً يقتدى على مستوى المنطقة, وصار ابناء الإدارة الأردنية هم الخبراء الذين بنوا الإدارات العامة للكثير من دول المنطقة, سبق ذلك أن الأردنيين اقبلوا على العلم ينهلون منه حيثما استطاعوا, فلم تعد في الأردن قرية أو مضارب شعر دون مدرسة, وكنا من أوائل الدول التي قضت على الأمية, وزينت الجامعات كل ربوع وطننا, مما ساهم في رفع كفاءة الموارد البشرية الأردنية كنز الأردن الحقيقي, وأهم عناصر القوة الذاتية للدولة الأردنية, وهي عينها الموارد البشرية الأردنية التي بنت القطاع الصحي الذي صار مقصداً لابناء المنطقة, كل ذلك مدعوم ببنية تحتية تجعل من الدولة الأردنية دولة قوية قادرة على التصدي للتحديات التي تواجهها وتنتصر عليها.
وعلى ذكر التحديات فأي قارئ لتاريخ المئة الأولى من عمر الدولة الأردنية المعاصرة, سيدرك أنها مرت خلال سنواتها المئة الماضية بالكثير من التحديات والمصاعب, وبعضها أشد وأصعب مما نمر به هذه الأيام, ومع ذلك استطاعت الدولة الأردنية بفضل تلاحم قيادتها وشعبها وقدرتهما على الصبر والتحمل الانتصار على كل هذه التحديات وتحويلها إلى فرص, وهذا مكون آخر من مكونات القوة الذاتية التي تجعلنا أكثر إيمانا بأننا ابناء وطن قوي له كل المستقبل.