حدث ذلك خلال عام 1996 ومع خضم الاستعدادات للاحتفال بتأسيس منظمة اليونسكو على مستوى الأردن، التقيت الفنان المبدع بحق الأستاذ محمود أسعد في رحاب وزارة التربية والتعليم واشتركت معه وفريق للإشراف على مسابقة للرسم لنفس المناسبة.
جولة بين لوحات الطلبة ممن تقدموا للمسابقة جعلتني اتعرف عن قرب على الفنان محمود أسعد والتعلم منه بخصوص تحديد اللوحات المتأهلة للفوز بالمستويات الأولى والثانية والثالثة وتقديم الدعم لجميع اللوحات المشاركة.
اعتمد في التقييم على مؤشرات دقيقة واستغرقت مطولاً في مراجعة اللوحات وبشكل مهني بعيداً عن أي اعتبار شخصي، ظل لفترة يدقق ويحصر اللوحات المناسبة والمرشحة للفوز وأقيم المعرض في نادي المعلمين في عمان وكم كانت فرحة الأستاذ محمود أسعد عندما شهد ولادة مشاريع فنية جديدة تحمل قضية مع الريشة والألوان ومعنى اللوحة.
امتدت زمالتي مع الفنان محمود أسعد لسنوات من الخدمة في وزارة التربية والتعليم هو في مرسمه وأنا في مكتبي، نلتقي ونتحاور، يرسم بابتسامته الاصلية عند اللقاء، معنى التجرد من المصلحة الشخصية والارتقاء إلى درجات من العلاقة الطيبة والزمالة الحقيقية.
التقيت الفنان محمود بعد أن تقاعدنا، شرع بنقل تجربته من خلال جمعية ثقافية لتدريب العديد من الكفاءات الفنية وممن يؤمنون بأن الفن رسالة وأن الريشة هي قضية لا تقبل المساومة.
في مرسمه ومكان التدريب، استقبلتني اللوحات، واستغرقت في عمقها ومعنى ما ترشد اليه من مدارس في أصول الاحتراف، كنت لا املك سوى الكلمة للتعبير للأستاذ محمود أسعد لما يقوم به من غرس رسالة الفن الراقي في نفوس الطلبة والمهتمين، بعيداً عن المناصب والامتيازات، فقد ظل موظفا وحرص أن يكون حراً وليس عادياً في سلم الوظيفة والمراتب الإدارية، بل توسط لغيره للوصول إلى درجة مدير.
ريشة الفنان محمود أسعد وعلى مدار احترافه للفن الراقي، أوصله إلى مراسم عالمية ودولية شهدت على فنه الراقي والمتميز وعلى أسلوبه في ابراز العديد من جوانب الفن والجمال ورسالته الوطنية المخلصة للأردن وقضايا الأمة.
مشوار فني وابداعي يليق برسم لوحة جميلة للوطن ولوحات للدفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية وأهمها القضية الفلسطينية والتي يوظف الفنان الملتزم ريشته لها وبكل تفاصيلها ومعاناة شعبها ونضالهم وكفاحهم من أجل الحرية والاستقلال.
ريشة الفنان أمانة ومسؤولية، وكم وظف الفنان محمود أسعد ومجموعة من الفنانين مضمون ما يرسمون من أجل القضايا الإنسانية الخالدة ومن أجل الارتقاء بالفن إلى مراتب متقدمة ومنافسة عالميا، وكم شهدت المراسم الدولية دخول لوحات اردنية إلى رحابها تقديرا وتكريما للفن الأردني المميز.
الريشة واللوحة والفن والرسالة جميعها صفحات من الابداع في يد الفنان المخلص الوفي والوطني المعطاء والقادر على التأثير الإيجابي والحضاري بين الأمم، وذلك ما يجسده الأستاذ محمود أسعد وسائر من يؤمن برسالة الفن الحقيقية، وينطلق من الأردن إلى العالم بإيمان مطلق أن الفن رسالة وغاية نبيلة.
نشد على يد الفنان المبدع والذي ينقل المشاعر عبر لوحة فيها جميع المفردات الوطنية والجمالية والسمو للارتقاء إلى مستويات البطولة والشهادة، وتلك وسيلة من وسائل النضال الثقافي السليم والممتد من عمق ونبض الشعب إلى الضمير والوجدان.
ننتظر لوحة النصر لتزين الدرب، ولعل ذلك ليس ببعيد! [email protected]