لطالما أكّد جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، وعبر مواقفه كافة، رفضه لوعد بلفور، القاضي بإقامة وطنٍ قومي لليهود بفلسطين، وهذا ما تذكره وتنقله العديد من الوثائق.
إذ تشير الوثائق، إلى أنّ الملك المؤسس عبدالله الأول، شارك في المسيرة الاحتجاجية الرافضة لهذا الوعد، والمطالبة بإسقاط وعد بلفور في عمّان عام 1929م.
وبين هذه الوثائق، ما ينقله عوني عبدالهادي، في مذكراته المهمة، والتي توثق في جانبٍ منها، لقاء الملك عبدالله الأول مع وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل في القدس عام 1921م.
وتورد الوثائق، قول الملك المؤسس عبدالله الأول (الأمير آنذاك) إلى وزير المستعمرات البريطاني، «إنّ الأمر الذي يهم العرب قبل كل شيء هو فلسطين، فقد علمت أن اليهود طامعون في إقامة دولتهم اليهودية في هذه البقعة العربية الغالية وطرد العرب منها، والعرب كما أشرتم حلفاء بريطانيا العظمى وأشار سعادتكم قبل هنيهة أن فرنسا حليفتكم وان كل اعتداء عليها من حدود الأراضي الواقعة تحت نفوذكم هو اعتداء على بريطانيا، ويظهر بأن حلفكم مع فرنسا مقدس، بخلاف حلفكم مع العرب فهل تعتبر الحكومة البريطانية العرب بمثابة أشجارٍ يجوز قطعها؟».
لقد عارض الملك المؤسس هذا الوعد، في هذا اللقاء الهام، الذي يصفه المؤرخون بأنه أسس لنوعٍ جديدٍ من العلاقة بين العرب وبريطانيا، ذلك أنه بدأ القادة بإدراك المرامي البريطانية، إذ رد تشرشل على الملك المؤسس بالقول «صحيح يا سمو الأمير أن العرب في فلسطين ليسوا أشجاراً للقطع، وأنّ الحكومة البريطانية ليست من سياستها أبداً قطع أشجار فلسطين، ولكنها بالعكس كانت مصممة على زيادة أشجارها بأنواع أخرى..».
وهذه الإجابة، بحسب الوثائق، وقعت على الملك المؤسس وقع الصاعقة، وأنه حاول ضبط نفسه بعد أن سمع من المستر تشرشل أولاً وهربرت صموئيل ثانياً ما شده إلى الوراء.
لقد كان مشروع الملك المؤسس مقاومة هذا الوعد، وقد نجح باستثناء الأردن منه، ومضى الملك المؤسس في ترتيبات سياسية، وصيغٍ أفضت إلى تحقيق استقلال الأردن الأول عام 1923م.
وللوقوف على فهم العرب للتحالف مع بريطانيا، فإن الوثائق تشير إلى أنه: «يقولون إنّ بعض رجالات السياسة في المملكة المتحدة قطعت لهم عهداً بفلسطين، وهذه حجة خاسرة بالمرة. وما هو حق هؤلاء الرجالات السياسيين بإعطاء وعود لأجانب في بلادٍ ليست لهم فيها حقوق؟ نعرف أنّ المستر بلفور (اللورد بلفور) أرسل كتاباً إلى اللورد روتشيلد في 2 نوفمبر 1917م، ونعرف أيضاً، انه قطع لهم هذا الوعد لأمور سياسية بحتة. وأكبر دليل على ذلك هو ما جاء في مذكرات المستر اسكويت رئيس الوزراء البريطاني في بداية الحرب العالمية الاولى..».
يقول عبدالهادي، ماضياً في سياق شرح الأجواء العربية التي كانت سائدة في تلك الفترة، بالقول «من السخف أنّ يدعي البعض بأنّ هذا التصريح قد جاء نتيجة لما تحمله الحكومة البريطانية والشعب البريطاني من الشعور القومي نحو اليهود. لقد قطعت الحكومة البريطانية للعرب بواسطة الملك حسين عهوداً ومواثيق بتأييد استقلال البلاد العربية قبل إعلان تصريح بلفور، وشتان ما بين العهود المعروفة بعهود الملك حسين-مكماهون وبين تصريح بلفور، فعهود الحسين-مكماهون من شأنها أن تؤيد حق العرب بتقرير مصيرهم واستقلالهم».
ويؤكد عوني عبدالهادي، وهو المعاصر لتلك الفترة، وأحد أهم أبرز السياسيين العرب، وقد رافق وواكب أحداث النهضة العربية الكبرى، وتأسيس إمارة شرقي الأردن، بأن «تصريح بلفور يتعلق بهدم كيانٍ قائمٍ لإقامة كيان يهودي محله. وأعتقد أني في غير حاجة لأن أقول لكم إنّ العهود المعتبرة هي العهود التي تؤيد حقوق الغير وليست القائمة ظلم الغير».