تسود في حياتنا الأردنية والعربية عموما ثنائيات، تدخل في تفكيرنا ونعبر عنها في نقاشاتنا، ولكنها تختفي في كتاباتنا عادة، وتستبعد من مواقفنا المعلنة عموما، وهي تعبر عن تصنيف المواطنين إلى فئات حسب انتماءاتها الضيقة، أو أصولها البعيدة أو منابتها الموغرة.
وتصنف الأفكار التي تطرح في هذا المضمار، التي تصب جهودها على إعلاء الانتماء للوطن، وترسيخ قيم المواطنة، فما الأكثر نجاعة في ظل انهماك المثقف أو المواطن الواعي للمصلحة العامة على صعيد عوامل وأسباب الصيرورة، التي تتجلى في صور التنوع والتعدد من جهة، أو في صور التفاعل والانسجام من جهة أخرى، بالمستوى الذي تنشده النخبة السياسية والمثقفة، أو على صعيد نتائج وتداعيات تلك الصيرورة والنماذج.
إن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية برمتها، منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحرب فلسطين 1948، ووحدة الضفتين الغربية والشرقية، وحرب 1967 بنتائجها الكارثية، والحروب الأهلية المقيتة والإقليمية المدمرة، في بعض دول المنطقة العربية، كلبنان والعراق، واتفاقيات السلام التي أبرمت، وكذلك التبعية الاقتصادية الثقافية بعد الاستقلال من الدول المستقلة حديثا بالدول الاستعمارية الكبرى، والعولمة الاقتصادية الثقافية الشاملة والمتسعة والمتسارعة، إضافة الى ألوان المأزق التنموي داخل هذه الدول والأنظمة، كالاحتكار والاستغلال وغياب العدالة، وضعف الأداء والفساد وتزعزع الثقة، ساهمت جميعها في خلق الأوضاع السالبة، التي تعاني منها الحياة العربية عامة، كالتعصب والتقليدية والتشدد والانغلاق، إلى جانب عدم التحلي بالموضوعية والمثابرة والإبداع والشعور بالمسؤولية. وما رافقها من تصنيفات غريبة للناس والأشخاص، أضحت جميعها صورا من صور المعاناة والقلق الوطني والقومي.
في حين أن سياسة الباب المفتوح والقلب الكبير والصدر الرحب، التي أبرزت في آفاق المجتمع الأردني، ظاهرة الاستقطاب البشري الاجتماعي الاقتصادي بالنسبة للاردن التي افسحت المجال للهجرة الوافدة، وأضافت عاملا كبيرا على الامتداد العشائري في الأردن، وكشفت عن أن اختلاف الأصول والمنابت، قد قوى من النسيج الاجتماعي وضخّم من كتلته وعزز من مكانته.
وإذا كانت هويات أو ملامح الأطروحات التي تتناول هذه الإشكاليات، تختلف بين أصولية ويسارية وقومية، الا أنه تجمعها خصائص مشتركة، تتمثل بـتلك الثقة التامة بآليات تاريخية، يقتنع أصحابها بانتصارها في النهاية، مقابل رفضهم التام للواقع الاجتماعي الثقافي القائم. وتكاد تلك الأطروحات تجمل تحديات الحياة العربية بتحديين كبيرين هما: الأمن القومي والتنمية، وهي توحي بعدم التفاؤل من الوصول إلى المستقبل المنشود، في ظل ظروف تقوم على اختلالات أيديولوجية وظيفية.
وتبعا لذلك يوجه معظم ما طرحه الفكر العربي المعاصر اللوم إلى طبيعتين متوافرتين في المجتمع العربي، هما طبيعة الثقافة العربية وطبيعة التربية العربية، حيث تكادان تكبلان الأجيال فتعجز عن المضي نحو المستقبل، إذ تقومان على الانشداد إلى الماضي. بينما ساعدت بعض الأفكار الواقعية والمتقدمة على تخفيف الكثير من الآلام وتصحيح الكثير من الأوهام، مما دفع الأمة إلى الأمام في جانبي حياتها الروحي المعنوي من جهة والمادي الملموس من جهة أخرى.
مواضيع ذات صلة