محمد يونس العبادي
تؤرخ العديد من الوثائق، للقضاء الشرعي بالأردن، وهو قضاء راسخ الجذور، نتيجة ارتباطات الأردن الجغرافية بفضاء بلاد الشام، منذ الفتح الإسلامي، ومنذ وطأة هذه الأرض أقدام الصحابة رضوان الله عليهم.
ومع انتهاء العهد العثماني، بعد الحرب العالمية الأولى، كان يوجد في الأردن سبع محاكم شرعية، وهي في مدن: عمّان، معان، إربد، الكرك، السلط، جرش والطفيلة.
وحين تأسست الإمارة، وشرع الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، بإرساء المؤسسات للدولة، أولت الدولة أهمية للقضاء الشرعي، ذلك أنه وبرغم عدم إسناد منصب قاضي القضاة لأحد في الحكومة الأولى التي عرفت باسم مجلس المستشارين برئاسة رشيد طليع، إلا أنه ومع تشكيل الحكومة الثانية في الخامس من تموز 1921م، أسندت مهمة قاضي القضاة أو ما عرف بالمستشار الشرعي إلى الشيخ محمد خضر الشنقيطي، وقد قدم مع الملك المؤسس من المدينة المنورة، وعمل على تعيين قاضٍ منفرد لكل محكمة، ينظر بأمرها ويدبر أمورها.
والشنقيطي، رحمه الله، من مواليد بلدة تكب شرقي موريتانيا، تلقى تعليمه على يد والده الشيخ سيد عبدالله، ثم حفظ القرآن الكريم، وأخذ علوم اللغة والفقه والأصول على يد الشيخ سيد المختار بن أحمد بن الهادي. وقد أجازه في حفظ القرآن الكريم الشيخ سيد محمد بن الأقظف، ودرس على يديه أيضاً بعض المتون الفقهية، ثم درس في محضرة أهل الطالب إبراهيم التاكاطين، وفي محضرة أهل محمد بن محمد سالم في أقصى الشمال الغربي الموريتاني، وله عدة مؤلفات، بينها: إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض، العوامل الشرطية لزكاة الأوراق النوطية، وغيرها.
وكانت مهمة القاضي هي النظر في القضايا الحقوقية والجزائية، في أوائل عهد الدولة، ثم فصل القضاء النظامي عن القضاء الشرعي، وخصصت له محاكم صلحية وابتدائية، وعين لها قضاة مختصون، واقتصر القضاء الشرعي على النظر في الأحوال الشخصية بين المسلمين.
وأعمال المحاكم الشرعية، كما تذكر تشريعات عدة، هي النظر بقضايا: الزواج، النسب، الإعالة، التركات، الميراث، الحضانة، الحقوق الزوجية، قضايا الطاعة، تنمية أموال اليتيم، وغيرها مما يتعلق بشؤون الأسرة الإسلامية.
كان قاضي القضاة عند تشكيل الدولة، هو المسؤول أيضاً، عن إدارة المحاكم، وتعيين القضاة الشرعيين، ونقلهم وعزلهم، وتعيين المفتين وعزلهم، على أنّ تصدر إرادة سنية بالموافقة على ذلك.
كما كان المسؤول عن تعيين سائر الموظفين في المحاكم على اختلاف رتبهم، إلى أنّ صدرت أنظمة الموظفين لسنة 1926م، وقانون المحاكم الشرعية عام 1931م، الذي جعل تعيين القضاة بقرار من المجلس التنفيذي، بناءً على اقتراح قاضي القضاة، على أنّ تصدر إرادة سنية بالموافقة على ذلك، وجعل تعيين موظفي الصنف الثاني من موظفي الشرعية بمقتضى أنظمة الدولة.
وألغي هذا القانون بقانون تشكيل المحاكم الشرعية سنة 1951م، حيث جعل صلاحية تعيين القضاة لمجلس القضاة الشرعي، المؤلف من مدير الشرعية، رئيسا، وقاضيين كبار من قضاة الشرع يختارهما قاضي القضاة، وترفع قرارات المجلس بموافقة قاضي القضاة لمقام جلالة الملك.
ومما يجب التنويه إليه، بأنّ المحاكم الشرعية كانت في كل مركز تقوم بالإشراف على إدارة المساجد، إلى أنّ شكلت إدارة للأوقاف بموجب قانون صدر عام 1946م، والذي نظم شؤونها وجعلها خاضعة للإشراف وإدارة قاضي القضاة، حتى كانون الثاني عام 1968م، حيث انفصلت عن إدارة قاضي القضاة وأحدثت وزارة باسم الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية.
وقد بدأت دائرة قاضي القضاة العمل كغيرها من الدوائر الحكومية، بجهاز صغير، لا يزيد موظفوها عن أربعة، لكن ما لبثت هي وما يتبعها من محاكم شرعية أنّ توسعت ونمت وتطورت.
وقد تلقت هذه الدائرة عناية كبيرة من قبل الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، ومن ملوك بني هاشم، لما عرف عنهم من حب العلماء والعطف على أهل الدين، وكل ما يمت للدين ورعايته بصلة، وكانت وما زالت هذه الدوائر محط اهتمام ورعايةٍ، ولا يزال منصب قاضي القضاة من المناصب الأولى بالدولة.
ومما ينوه إليه، أنه وعند تأسيس الدولة، لم يكن هنالك محاكم استئناف، وإنما كانت تدقق القضايا المفصولة في المحاكم الشرعية، من قبل قاضي القضاة مع من يراه من القضاة الشرعيين، إلى أنّ أنشئ مجلس يسمى بمجلس التدقيقات الشرعية، وظل الحال كذلك حتى عام 1951م، كما أدارت المحاكم الشرعية أموال الأيتام والغائبين وفاقدي الأهلية، وعملت على ضبط التركات وغيرها من الاختصاصات.
إنّ التأريخ للقضاء في الأردن، هو اليوم حاجة، لشرح جهود أرساها الأوائل، وعملت على ترسيخ مفاهيم العدالة الحقة المنتمية لديننا الحنيف.