محمد يونس العبادي
يمثل مؤتمر الرمادي، الذي انعقدت أعماله في العراق عام 1927م، واحداً من بين ملامح عدة، سعت إلى تعزيز السلم والأمن الاجتماعي، بعد الحرب العالمية الأولى، والبدء بتأسيس عددٍ من البلدان العربية في المشرق العربي.
وأهمية هذا المؤتمر، تتأتى من كونه هدف إلى تعزيز السلم الاجتماعي، وتجاوز مرحلة الغضائن القبلية، والبدء بإرساء مفاهيم سلمٍ أهليٍ بين القبائل المتجاورة في الأردن والعراق.
ونشرت جريدة الجامعة العربية، الصادرة بالقدس في عددها الصادر في الأول من أيلول عام 1927م، مقابلة مع عارف العارف، سكرتير حكومة شرقي الأردن، آنذاك، شرح فيها غايات عقد مؤتمر الرمادي بين عشائر العراق وعشائر شرق الأردن، بحسب الجريدة.
وقد ناب العارف عن الحكومة الأردنية، في أعمال هذا المؤتمر، ويقول إنّ المؤتمر جاء بهدف «استتباب الأمن بين عشائر شرقي الأردن وعشائر البلاد المجاورة التي كان كثيراً ما يغزو بعضها بعضاً، ورأينا من واجبنا أن نسعى لإصلاح العشائر ورفع الضغائن من القلوب، وكانت هذه غاية مؤتمر الرمادي».
ويشير العـارف، إلى أنّ مؤتمر الرمادي سبقته مؤتمرات سابقة مع الحكومة المصرية، بالإضافة إلى إصلاحٍ بين عشائر غور بيسان على ضفتي النهر في غور الأردن، وإلى وجود مساعٍ لعقد مؤاتمرات بين العشائر على الحدود السورية الأردنية.
وبالعودة إلى مؤتمر الرمادي، فإنّ العارف يقول إنه عقد بوجود ممثلين عن الحكومتين الأردنية والعراقية، وحضره من عشائر شرق الأردن عشيرة بني صخر ومشايخها، وهم: الشيخ مثقال الفايز، والشيخ حديثة الخريشة، والشيخ خليفة المور، موكلين عن بقية مشايخ بني صخر الذين لم يتمكنوا من الحضور. إضافة، إلى عشائر الحويطات وشيخها حمد بن جازي، ثم عشيرة التوايهة وشيخها محمد بن عودة أبو تايه.
أما العشائر العراقية، فكان منهم الشيخ عجيل الياور شيخ عشيرة شمر، والشيخ محروث بن فهد بن هزال شيخ عشيرة عنزة والشيخ علي سليمان شيخ قبائل الدليم، وهي القبيلة الأكثر مجاورة لحدود شرق الأردن.
ويقول العارف «الطرفان اتفقا على تناسي الماضي وعدم المطالبة بشيء من قبل أحد، لأن الغاية الأسمى هي رفع الضغائن وإيجاد التعارف، وإحلال الائتلاف محل الاختلاف، مع تأمين الأمن بين البلادين المتجاورتين، وقد تمكنا من الوصول إلى هذه الغاية بفضل التساهل الذي أبداه الطرفان، واستحقا الشكر عليه».
وهناك ملمح آخر، يشير إلى تعزيز الوشائج الأردنية العراقية، في زمنٍ باكرٍ، ومع بدايات تأسيس البلدين، إذ يقول العارف «ذهبت إلى بغداد بقرار من حكومة شرقي الأردن، وذلك لأنها أرادت أن تغتنم فرصة وجودي بالعراق، فطلبت إليّ أن أدرس النظم العراقية الإدارية، وهذا ما فعلته فقد اجتمعت مع كثير من رجال الإدارة العراقيين، وباحثتهم في كثيرٍ من الشؤون، وفي الطرق التي يسيرون عليها في إدارة أمورهم، وقد وجدت كثيراً منها جديرة بالاقتباس، والتطبيق في منطقة شرق الأردن».
ويصف الأوضاع في العراق، في تلك الفترة، «أما الحالة في العراق، فهي تدعو إلى الارتياح، والعراق أخذ بأسباب التقدم والارتقاء الاقتصادي والاجتماعي وهو ذو تربة خصيبة والحكومة هناك عاملة على تنظيم أمور الري لأراضي ما بين النهرين، التي كانت مدخر العالم لملايين السنين من الدونمات، وإذا تمت العناية الكافية كان العراق أغنى بلاد الله وأسعدها حالاً»، وفق قوله.
يذكر بأن عارف العارف، هو أحد الشخصيات الفلسطينية المقدسية، وأحد أشهر المؤرخين الفلسطينيين، ومن بين كتبه «تاريخ بئر السبع وقبائلها»، و«تاريخ القدس» وقد كانت كتاباته تمزج بين طابع المؤرخ المحلي والمؤرخ ذو الفضاءات الواسعة. وقد تسلم منصب السكرتير العام لحكومة الشرق العربي لمدة عامين تقريباً، وما زال أحد الأعلام الذين تركوا إرثاً غنياً، وقد دون يومياتٍ مهمة، رصدت الأوضاع الاجتماعية والسياسية في حقبة التأسيس.