د. شهاب المكاحله
لعل مقولة «من يمتلك المعلومة، يمتلك العالم» هي من أهم الأفكار والمبادئ التي بنيت عليها الدراسات الإعلامية والسياسية والعلاقات الدولية لكن امتلاك المعلومات فقط لا جدوى منه دون امتلاك التكنولوجيا وشبكات النشر والتوزيع. لذلك نرى الإعلام الغربي متفوقاً على غيره بفضل التكنولوجيا المتطورة لكسب المزيد من النفوذ العالمي.
اليوم نعيش تطوراً مطّرداً وغير مسبوق في وسائل التواصل والاتصال والإعلام ما يؤثر في حياتنا اليومية. فإذا ما نظرنا إلى الخريطة الإعلامية لوسائل الإعلام العالمية والتكنولوجية نجد أن الإعلام مرتبط بقوة تلك الدول. وكالة الأنباء الأميركية (AP) وبلومبيرغ تشكلان ذراعاً إعلامياً مهما للولايات المتحدة عالمياً، منهما نستقي الأخبار التي غالبا ما تطبخ على نار هادئة لتمرير رسائل مشفرة لمن يهمه الأمر ورسائل للجماهير للتأثير النفسي والاجتماعي. كذلك الأمر ينطبق على وكالة رويترز البريطانية ووكالة الأنباء الفرنسية AFP وغيرهما من الوكالات الإخبارية الأخرى. ففي دراسة أجريتها قبل أكثر من 3 سنوات، كانت خلاصتها أن أكثر من 85 بالمائة من المواد الإعلامية الغربية والعالمية مُستقاة من الوسائل الإعلامية الآنفة الذكر. لذلك نرى أن إعلاماً قوياً يعني دولاً قوية؛ وإعلاماً ضعيفاً يعني دولاً ضعيفة.
وإذا ما أخذنا منصات التواصل الاجتماعي المهمة عالميا لوجدناها أميركية في الغالب كما أن أهم محركات البحث على الشبكة العنكبوتية هي في الغالب أميركية ناهيك عن كبرى شركات البرمجة والإلكترونيات والتكنولوجيا العالمية التي تدير السيرفرات الرئيسة حتى تلك المخصصة للتواصل الاجتماعي. إن وجود السيرفرات أو الخوادم في تلك الدول حصرا يعني حصول تلك الدول على حصرية امتلاك المعلومات عن الأفراد والشركات والدول.
حتى نهاية شهر أغسطس ٢٠٢١، تم إطلاق ١١،١٣٩ قمراً صناعياً، ومع نهاية شهر أبريل ٢٠٢١، كان هناك ٧٣٨٩ قمراً صناعياً عاملاً، وكان نصيب الولايات المتحدة ١٨٩٧ قمراً صناعياً، تليها الصين بـ ٤١٢ قمراً صناعياً وروسيا بـ ١٧٦ قمراً صناعياً.
تتحكم فئة النخبة هذه من الدول، والتي تضم أيضاً شركات التكنولوجيا العملاقة، فيما نقرأه أو نشاهده أو نستمع إليه. واليوم، أصبحت آثار تلك الوسائل محسوسة بشكل أكبر في تناولنا للأخبار عبر الإنترنت. قبل ٣٨ عاماً، كانت ٥٠ شركة تتحكم في وسائل الإعلام في أميركا. أما اليوم فتتحكم ٦ شركات فقط ب٩٢ بالمائة مما يقرأه أو يشاهده أو يستمع إليه المواطن الأميركي على سبيل المثال. وهنا نرى كيفية تشكيل تلك الوسائل الإعلامية لعقلية المواطن ومدى تأثيرها عليه.
يتحرك العالم اليوم على وقع الأخبار المتعلقة بالأسواق المالية والتطورات السياسية والأخبار المحلية وتقارير الطقس التي تنعكس على حياة الجميع. فالأخبار اليوم تؤثر على حياتنا بشكل مباشر وغير مباشر لأنها متاحة في عدة أشكال: رقمية (محتوى إخباري على الإنترنت)، ومطبوعة (صحف ومجلات)، وإذاعي (تلفزيون وراديو).
فعلى الرغم من أهمية تلك الوسائل الإعلامية إلا أنها عانت كثيرا إبان التحول من الإعلام التقليدي إلى الرقمي وكان الحل بربط تلك الوسائل بإيرادات الدول أو بمؤسسات مالية وتكنولوجية عملاقة توفر مصادر مالية لها ما دفع البعض منها إلى التحول من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة. لذلك بات الإعلام سلاحاً مهماً بأيدي الدول الفاعلة عالمياً لبسط نفوذها ونشر ثقافتها والتأثير على غيرها من الشعوب والدول بجيش من الإعلاميين والتكنولوجيين الذين لا يقلون أهمية عن الجيوش النظامية.
لذلك فإن الإعلام سلاح مهم هذه الأيام لأنه يؤطر العقول ويغسلها ويلغي ثقافات ويبعث على الحياة ثقافات أخرى، ويغير السلوك والمعتقدات ويشن حروبا نفسيا ويمهد الأرضية لسياسات مستقبلية.