محمد يونس العبادي
إنّ الإدارة المحلية في عهد الإمارة، يمكن قراءة مراحل تطورها بدءاً من تنظيمها مع صدور القانون الأساسي لشرق الأردن في 16 نيسان 1928م، وهو قانون تنظيمي يمكن تسميته بالدستور الأول، نظراً لأنه أول قانون يقوم بتنظيم في عهد الأردن، وبعد نحو سبع سنوات من نشأته.
أما الفترة التي سبقت إصدار هذا القانون، فهي كانت امتداداً طبيعياً للقوانين والأنظمة والأعراف المتوارثة من الفترة العثمانية، والتي بقيت مرعية في الإمارة إلى حدود عام 1927م.
ونص القانون الأساسي في مادته السادسة والخمسين، في الفقرة (ب) منها، على التقسيمات الإدارية في شرق الأردن ودرجاتها وأسمائها، ومنهاج إدارتها، وقد قضى القانون الأساسي بوضع نظامٍ لتعيين الموظفين.
وفي الأول من كانون الأول 1927، صدر أول نظام يحدد التقسيمات الإدارية في إمارة شرق الأردن منذ تأسيسها، وعرف باسم «نظام التشكيلات الإدارية» وقد نص على تقسيم البلاد لغايات إدارية إلى ألوية وأقضية ونواحي، وسمي حاكم اللواء متصرفاً وحاكم القضاء بـ «قائم مقام» وحاكم الناحية بـ «مدير"؛ بالإضافة إلى أنه أوضح بعض مهام واختصاصات الحكام الإداريين.
وفي التاسع عشر من تشرين الأول 1927م، صدر بلاغ رسمي قسمت بموجبه شرق الأردن إلى ألوية وأقضية ونواحي، وهي: لواء عجلون ومركزه إربد، وقسم إلى قضاء إربد وتبعه ناحيتان، هما: ناحية الرمثا وناحية الكورة، وقد اتصلتا باللواء مباشرة لبعدهما عن مراكز الأقضية، بالإضافة إلى قضاء عجلون وقضاء جرش.
أما لواء البلقاء، فقد كان مركزه السلط، وقسم إلى ثلاثة أقضية، وهي: عمّان، السلط، مأدبا؛ في حين سميت الكرك بمركز للواء الكرك، وقسم اللواء إلى الأقضية التالية: قضاء الكرك وتتبعه ناحية الغور، وغور المزرعة، وتتصل باللواء مباشرة، بالإضافة إلى قضاء الطفيلة.
أما لواء معان، فقد كان مركزه معان، وقسم إلى قضاء لمعان تتبعه ناحية الشوبك، وناحية وادي موسى، وترتبطان بمركز اللواء مباشرة، بالإضافة إلى قضاء العقبة.
هذه التقسيمات الإدارية بقيت سارية بموجب بلاغٍ حتى 1 أذار 1928م، إذ صدرت على شكل نظام، وبقي هذا النظام سارياً حتى عام 1939م،إذ صدر في هذا العام نظام إداري بموجب الفقرة (ب) من المادة (56) من القانون الأساسي، وبموجبه تم نقل مركز لواء البلقاء إلى السلط وفك ارتباط قضاء عمان عن لواء البلقاء، وأحدثت محافظة في العاصمة، بحيث يكون هناك منصب للمحافظ يتولى مسؤولية إدارة شؤون العاصمة وشؤون قضاء عمّان، كما يتولى الإشراف على بلدية العاصمة، ويرتبط مباشرة بوزير الداخلية، ومن اللافت بأنّ عمّان كانت مركزاً للواء البلقاء قبل صدور هذا النظام وعندما تأسست محافظة في عمّان نقل مركز اللواء إلى السلط.
ومن اللافت، أنّ الإدارة المحلية بدأت تتعزز قبل سنوات قليلة من الاستقلال، إذ صدر في عام 1939م، قانون مؤقت بموجبه نظمت وظائف بعض الوزراء، وقد نقلت صلاحيات رئيس الوزراء إلى وزير الداخلية وفوض بإصدار الأنظمة الخاصة في قوانين: الجنسية، وإدارة الولايات، وجوازات السفر، والعقوبات المشتركة، ومنع الجرائم، وجميع قوانين الصحة.
غير أنّ نظام التشيكلات الإدارية الساري منذ عام 1927م، لم يوضح بشكل كبير الاختصاصات المخولة للحكام الإداريين، ولعل هذا الأمر سببه الأعراف السائدة، وما توارثته الدولة من الفترة العثمانية في أساليب العمل، وبقيت هذه التقاليد مرعية حتى الاستقلال.
أما بالنسبة للبلديات، فقد صدر أول قانون للبلديات في إمارة شرقي الأردن بتاريخ 4 أذار 1925م، ومن أهم ما ورد فيه بأنه عرف البلدية بأنها شخص حكمي «اعتباري» له حق التصرف بالأموال المنقولة وغير المنقولة، وهي مكلفة بالأعمال العمرانية والصحية، ومع صدور هذا القانون، أجريت أول انتخابات بلدية عام 1925م.
إنّ الإدارة المحلية في عهد الإمارة، أسست لعهد الاستقلال، ووضعت اللبنة الأولى على طريق بناء الدولة، ويسجل لهذه الفترة، بأنها وضعت الملامح التنموية الأولى، بجهود الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، والذي أرسى دعائم الدولة، وسعى خلال سنوات الإمارة إلى خدمة إنسانها، رغم علل الانتداب، وفترته.