محمد يونس العبادي
من بين أبرز الدوائر الحكومية، وأولاها، دائرة الآثار العامة، التي تأسست سنة 1923م، كجزء من دائرة آثار فلسطين.
وتشير وثائق التأسيس لهذه الدائرة، بأنه مع تأسيسها، تعهدت حكومة الانتداب بالإنفاق عليها، قد باشرت بأول مشاريعها عام 1925م، بالبدء بأعمال الصيانة في جرش وفي قلعة الكرك، ثم امتدت أعمال الصيانة في السنة التالية إلى قلعة الربض في عجلون، كما باشرت في ذات العام بإصدار أول نشرةٍ عن آثار شرقي الأردن.
وعام 1928م، انفصلت في إدارتها عن حكومة الانتداب في فلسطين، ونتيجة لذلك أحدثت دائرة مستقلة للآثار في إمارة شرقي الأردن، وخصص لها مبلغ ضئيل من مخصصات الموازنة، كانت تنفقها على أعمالها ونشاطاتها المختلفة في الحفريات والتنقيب عن الآثار.
وخلال العقد الأول من عمرها، باشرت بالكشوفات في الأماكن الأثرية المعروفة، وظلت مكتشفاتها خلال السنوات الأولى، تهمل أو تفقد لعدم وجود متحف أثري تعرض فيه، أو تكدس في مبنى دائرة الآثار كل القطع الأثرية المكتشفة دون عناية أو تنظيم، ما خلق مخاوف لدى مسؤوليها تتعلق بالقطع وعدم الاستفادة منها من الناحيتين الأثرية والتاريخية.
وهذا الأمر أدى إلى الاتفاق بين حكومة الأردن وحكومة الانتداب في فلسطين، أن ترسل القطع الأثرية التي تخص حكومة شرقي الأردن إلى متحف فلسطين لتعرض فيه، وتكون إدارة المتحف المذكور مؤتمنة عليها، في حين تحتفظ حكومة شرقي الأردن، حسب رغبتها بحق استرداد أية قطع أثرية يكون قد اؤتمن عليها متحف فلسطين وعرضت فيه.
وكان المتحف الأثري في فلسطين، بالقدس، وقد أقيم البناء على أرض مساحتها أربعون دونماً، في المكان المعروف بكرم الشيخ، وقد وضع حجر الأساس لهذا المتحف المندوب السامي البريطاني على فلسطين، السير جون شانسلر، في التاسع عشر من حزيران 1930م، وفتح المتحف أبوابه لاستقبال الزوار في 13 كانون الثاني 1938م، واستمرت الأعمال جارية فيه، حتى احتلت محتويات القصر الأموي في خربة المفجر في أريحا الصالة الغربية.
وتشير وثائق عدة، إلى أنّ المتحف يضم مكتبة حافلة بالمصادر القيّمة عن: الآثار والفنون والتاريخ والدين والجغرافيا المتعلقة بفلسطين والبلاد المجاورة، وقدر عدد المجلدات فيه بنحو (35) ألف مجلد.
وقد آلت مُلكية المتحف إلى الحكومة الأردنية، بعد زوال الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي حرب حزيران 1967م دخل الجيش الإسرائيلي إلى المتحف واستولى على نفائسه وكنوزه، وأدى هذا الاحتلال إلى قيام علماء الآثار اليهود بسرقة مخطوطات البحر الميت منه إلى المتحف الإسرائيلي في الجهة الأخرى من القدس.
وظلت الآثار الأردنية، تعرض في متحف فلسطين حتى عام 1947م، حيث حتمت الظروف بعدها إعادة جميع القطع الأثرية المعارة في متحف الآثار الفلسطيني إلى عمَان حيث بقيت في مخزن حتى تم إنشاء متحف عمّان عام 1951م، ونقلت القطع الأثرية إليه، وباشرت دائرة الآثار بترتيب المعروضات الأثرية فيه.
وبالنسبة لمتحف عمّان، فقد أقيم متحف فيها على أرض مساحتها (350) متراً مربعاً فوق جبل القلعة، واعتبرت جميع الأماكن الأثرية المجاورة ملحقة به، وقد تأسس في التاسع من أيار 1951م، ولاحقاً تسلمت دائرة الآثار الأردنية هذه البناية، ونقلت إليها مكاتبها، كما نقلت القطع الأثرية الأردنية التي كانت تعرض في متحف فلسطين.
ومن الناحية القانونية، فإنّ قانون الآثار العثماني سبق عهد تأسيس الدولة، وقد نص على اعتبار الآثار ملكاً مطلقاً للدولة، إلّا أنّ حكومة الانتداب وضعت عام 1920م، قانوناً خاصاً بالآثار في فلسطين، وعملت إحداث نصوصٍ تعود بالنفع على من يقومون بأعمال التنقيب، وقد غيرت في نصوصه سنة 1929م، حيث وضعت أسساً لامتلاك الآثار القديمة والعمل على إيجادها، وأصبحت الآثار التي تكتشف تقتسم بين المنقب والحكومة، وقد صدر أول قانون أردنيٍ للآثار سنة 1934م.
ومنذ سنة 1921م وحتى سنة 1948م، أصدرت حكومة الانتداب (360) رخصة للتنقيب عن الآثار في فلسطين، وقد منحت إلى جمعيات تنتمي إلى دول مختلفة،
أمّا في الأردن، فقد وضع قانون آثار لحكومة شرقي الأردن، وتغير مرات عدة، أبرزها عام 1953م، وقد عرّف هذا القانون الأثر، بأنه أي أثر ثابت أو منقول أنشأه إنسان أو كوّنه أو نقشه أو بناه أو اكتشفه أو أنتجه أو عدّله قبل سنة 1700م، وقد جدّد هذا القانون الشروط التي يجب توافرها لدى أي بعثة قبل التصريح لها بالحفر والتنقيب في المواقع الأثرية، وقد تعرض للتعديل أكثر من مرة كان آخرها سنة 2004م.