محمد يونس العبادي
من بين أوراق المئويــة، التي تشرح حال التعليم وتطوره في الأردن، بعهد الإمارة، تقرير نشرته جريدة الجزيرة في تشرين الثاني عام 1939م، يشرح تطور التعليم الصناعي والحرفي، وأعداد البعثات العلمية والطلبة الذين التحقوا للدراسة في عدد من الجامعات على نفقتهم الخاصة، بعد نحو 18 عاماً من تأسيس الأردن.
وجاء في التقرير، بأن وزارة المعارف قد أنشأت مدرسة صناعية يُعلم فيها الطلاب حرف الحدادة والنجارة والخيزران والأحذية والنسج ثم استغني عن الحرفتين الأخيرتين، وكانت مهمة هذه المدرسة تهيئة الطلاب للقيام بهذه الحرف على وجه يقوم بحاجات المجتمع.
وسعيــاً من وزارة المعارف لرفع مستوى هذه المدرسة الصناعية أرسلت مديرية المعارف طالباً إلى دار الأيتام الإسلامية في القدس لمتابعة دراسته العملية والنظرية في حرفة الخيزران، وآخر إلى مدرسة بيت لحم لحرفة النسيج. ثم أعطت توصية لطالب ثالث ليتابع دروسه في مدرسة الصناعة في القاهرة (في الهندسة الميكانيكية). وقد قبل في تلك المدرسة منذ ثلاث سنوات ولا يزال في المدرسة الآنف ذكرها ولكن على نفقته الخاصة.
ولم تقتصر جهود القائمين على تأسيس القطاع التعليمي على الاطلاع على تجارب الدول المجاورة، بل شملت التجربة الأوروبية، ذلك أنه يوجد «في لندن مجلس يدعى (مجلس التعليم البريطاني) British Council يقوم بنشر الثقافة والعلم في جميع الأقطار الأوروبية والعربية ويمنح في كل سنة مبالغ طائلة لأفراد بعثات علمية تفد على لندن أو إحدى جامعات إنجلترا».
وقد حظي الأردن، من قبل هذا المجلس في سنة 1937- 1938م، بقرار بقضي بمنح ثلاثماية ليرة إنجليزية لأحد موظفي وزارة المعارف ليدرس في إحدى جامعات إنجلترا أصول التربية والتعليم ويزور بعض المدارس النموذجية في تلك البلاد.
ومما يشير إلى توسع البعثات العلمية، في عهد الإمارة، أنه «وفي سنة 1938- 1939م منحت مديرية المعارف ثلاثماية جنيه لأحد معلمي وزارة المعارف للدراسة سنة واحدة في جامعة إكستر وثلاثماية أخرى لطالب يدرس (فن البيطرة في جامعة أدنبره)».
ويلفت التقرير إلى أنّ أفراد البعثة الأردنية، امتازوا بالجد والنشاط وحب العمل، «ولكثرة طلبات مديرية المعارف لازدياد هذه المنحة فقد قرر مجلس التعليم العالي أن يعطي تسعماية ليرة إنجليزية سنوياً لثلاثة طلاب من شرق الأردن لمتابعة دراستهم سنة واحدة في إحدى جامعات إنجلترا».
وقد حددت وزارة المعارف، المدة الدراسية اللازمة لكل طالب، والتي يجب أنّ يقضيها في عدد من المدارس كي ينــال اعترافاً بشهادته، حيث إنّ مدة الدراسة في مدرسة خضوري يجب أن تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات، في الكلية العربية حددت بثلاث سنوات، وفي دار المعلمات أربع سنوات، وفي الجامعة الأميركية ببيروت فقد حددت بين ثلاث إلى أربع سنوات، بالإضافة إلى تحديدها عدد سنوات الخدمة التي يجب أنّ يقضيها من يُرسل إلى بعثة علمية.
أما عن عدد البعثات العلمية، حتى عام 1939م، فقد بلغت كالتالي: 13 بعثة في الجامعة الأميركية، و10 بعثات لإناث في دار المعلمات، و14 بعثة في مدرسة طولكرم، وبعثتان في كلية «شمت» الألمانية، بالإضافة إلى بعثات أخرى في جامعات إكستر وإدنبرة.
ويذكر التقرير، بأن «هذه البعثات العلمية كانت حافزاً قوياً لأولياء الطلاب في شرق الأردن إذ أخذوا يرسلون أولادهم إما المتخرجون أو غير المتخرجين على نفقتهم الخاصة إلى مدارس وكليات وجامعات خارج بلاد الإمارة»، ويقدم التقرير إحصائية لأعداد الطلبة الدارسين في الأقطار المجاورة والأوروبية، على نفقتهم الخاصة، إذ بلغت كالتالي: 24 طالباً في لبنان، و15 طالباً في سوريا، و25 طالبا في فلسطين، وطالب واحد في كل من مصر وإنجلترا وأميركا.
ويختم التقرير بالقول «.. بلاد الإمارة تتمتع بمستوى علمي يزداد علواً ورقياً، وقد عطف صاحب السمو أمير البلاد المعظم على هذه الوزارة فدفع لسماحة الوزير ولسعادة المدير والمفتشين والمعلمين والمعلمات إلى السير قدماً والعمل بنشاط وإخلاص في سبيل اوصول إلى مستوى علمي تصبو إليه نفس كل وطني مخلص».
إنّ هذا التقرير يشرح اندفاع الأردنيين باكراً نحو التعليم، وسعي الأردن إلى تعزيز قدرات الشباب في ذلك الوقت، إذ كانت هذه الجهود نواة أثمرت لاحقاً بثورة تعليمية نهضوية، عززت من قدرات المجتمع الأردني.