تعتبر الضوضاء من مظاهر التلوث البيئي المتزايدة في مدن العالم وتؤثر سلبا على مستوى الرفاه المعيشي للمواطنين وعلى صحة الإنسان فهي ذات صلة ببعض الامراض مثل فقدان السمع والتوترات العصبية والأرق وقلة التركيز وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والجلطات الدموية وزيادة افراز هرمون الضغط النفسي..
ويلاحظ في مدينة عمان ازدياد مستوى التلوث الضوضائي في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يستدعي الوقوف على حقيقته وآثاره وسبل علاجه.
يعبر عن مستوى ضجيج الصوت بوحدة (الديسيبل) فالكلام بين الاشخاص على سبيل المثال يتم على مستوى 60 ديسيبل (وهو المستوى المريح للاذن) والهمس حوالي 30 ديسيبل, ورنة الهاتف حوالي 70 ديسيبل ومجفف الشعر 100 ديسيبل وصوت مرور الطائرة النفاثة في السماء 130 ديسيبل، تبدأ الاذن بالانزعاج الشديد عند مستوى 110 ديسيبل ثم بالالم الشديد عند مستوى 130 ديسيبل..
(1)
حددت تعليمات «الحد والوقاية من الضجيج لعام 2003» الصادرة عن وزارة البيئة مستوى الضوضاء المسموح به في المناطق السكنية في المدن بـ 60 ديسيبل نهاراً و50 ديسيبل ليلاً وفي أماكن التعليم والعبادة والعلاج والمستشفيات 45 نهاراً و35 ليلاً..
(2)
أثبتت دراسة نشرها موقع منتدى الاقتصاد العالمي وشاركت بها منظمة الصحة العالمية؛ وجود علاقة طردية واضحة بين ارتفاع مستوى الضوضاء في المدن وعدد حالات فقدان السمع، تمت الدراسة على 200 ألف شخص يقطنون المدن الـ 50 الأكثر اكتظاظا حول العالم, وبينت الدراسة أنه يمكن تقليل حالات فقدان السمع وما يرتبط بها من أمراض من خلال تقليل التعرض للضوضاء ونشر الوعي بين المواطنين, وعمل التشريعات القانونية الملزمة، وحواجز عازلة لضجيج الطرق والسكك الحديدية، وتخطيط حركة النقل الجوي لتكون في أطراف المدن لا فوقها, واستخدام الإطارات الصامتة لوسائل النقل, وارتداء الأدوات الشخصية الحامية للاذن, وزيادة المساحات الخضراء داخل المدن التي من شانها تخفيض أثر الضوضاء..
كما استطاعت الدراسة عمل مؤشر يرتب مستوى الضوضاء في تلك المدن، فكانت المدينة الاكثر ضوضاء في العالم هي مدينة جوانزو الصينية تليها مدينة دلهي الهندية ثم القاهرة في المركز الثالث ثم مدينة اسطنبول التركية ثم مدينة بكين الصينية, وجاءت مدينتا برشلونة وباريس الاوروبيتان في المركز السابع و التاسع, أما ضمن المدن الاقل ضوضاء عبر العالم فجاءت مدينة زيورخ السويسرية في المركز الاول تليها مدينة فينا النمساوية ثم مدينة اوسلو ثم ميونخ ثم استوكهولم الاوروبية.. وتبين أن المصادر الرئيسية للضوضاء هي وسائط النقل على الطرقات والسكك الحديدة والنقل الجوي، واعمال الانشاءات والمصانع, ومصادر الاصوات السمعية المنبعثة من المحلات التجارية والمقاهي والحانات..
(3)
أما في الاردن فلا يزال الوعي بهذا النوع من التلوث البيئي وقياسه وآثاره على صحة الانسان حديث العهد، وتعمل كوادر وزارة البيئة ذات الامكانيات المتواضعة مشكورة على وضع خطة مستقبلية لقياس مستوى هذا النوع من التلوث إلا أن المسافات المقطوعة في هذا المجال لا تزال قليلة خصوصا وأن لدى الوزارة أولويات أكثر أهمية..
ويلاحظ قاطنو العاصمة عمان التي سكنوها منذ أكثر من خمسين عاما ازديادا كبيرا ومضطردا في مستوى الضوضاء خصوصا بعد انتشار ظاهرة عوادم السيارات والدراجات النارية المثيرة للازعاج الحاد المتعمد، التي تثير الرعب في نفوس الأطفال وتؤرق المرضى والمتعبين وتزيد من آلامهم, وازدياد اطلاق العيارات النارية والالعاب النارية في المناسبات, وسماعات سيارات الغاز والباعة المتجولين ونباح الكلاب المقتناة داخل المنازل التي اصبحت منتشرة ومؤرقة للسكان, ومؤخرا الطائرات السياحية التي تطير فوق بيوت عمان واحيائها السكنية بشكل يومي بدلا من الطيران فوق شوارعها الرئيسية..
(4)
وفي ظل محدوية الموارد المالية لدى وزارة البيئة ووجود اولويات بيئية اخرى لديها اهم من الضوضاء اذ تحتاج عملية قياس الضوضاء لمنظومة من الاجهزة والموظفين لادارتها وتسجيل المشاهدات, يمكن لاصدقاء البيئة المهتمين بمكافحة التلوث البيئي والقاطنين في مختلف مناطق عمان استخدام تطبيقات مجانية دقيقة متاحة عبر الهاتف تسمح بقياس مستوى الضوضاء بوحدة الديسيبل ثم إرسال قراءات الضوضاء لمدة سبعة ايام على جروب اجتماعي يتم من خلاله توثيق القراءات وتحليلها للوصول إلى تصور مبدئي حول مستوى التلوث الضوضائي في مدينة عمان لايام الاسبوع, وتكون جهدا موازيا وداعما لجهود وزارة البيئة في هذا المجال.. فيمكن استخدام التطبيق المجاني المسمىSound Meter على الهواتف الذكية وهو تطبيق مجرب ودقيق وإرسال القراءات في 3 أوقات مختلفة من النهار إلى صفحة (محبي عمان) لتخفيض التلوث الضوضائي على (الفيس بوك) بحيث يقوم القائمون على تلك الصفحة بتجميع القراءات وتحليلها بالتعاون مع وزارة البيئة والخروج بتوصيات ترفع الى لجنة البيئة في مجلس النواب لاصدار تشريع يعالج مختلف مصادر التلوث الضوضائي المشار اليها اعلاه..
ولاعطاء مؤشر بسيط على الآثار الصحية والاقتصادية لنوع واحد من انواع الضوضاء في مدينة عمان نذكر خلاصة نتائج دراسة قامت بها جمعية مساندة البيئة على سماعات شاحنات الغاز التي بينت أن عدداً كبيراً من سيارات الغاز يتجاوز 110 ديسيبل و جميعها يتجاوز 85 ديسيبل, وهي مخالفة لتعليمات وزارة البيئة وقانون حماية البيئة لعام 2017..
(5)
هناك 6400 بائع يعملون في شاحنات توزيع الغاز يكونون معرضين لذلك المستوى المرتفع من الضوضاء مما قد يسبب لهم تضررا أو فقدان السمع، وان قيمة اصابات ضعف السمع في هذا القطاع وحده تقدر بـ 200 مليون دينار إذا ما تم تطبيقها حسب قوانين الضمان الاجتماعي للعاملين حالياً في هذا القطاع ناهيك عن الاضرار الحاصلة لبقية المواطنين, كما بينت الدراسة انه يمكن خفض كلفة الوقود لشاحنات الغاز بحوالي 40% وزيادة ارباح شركات توزيع الغاز بحوالي 25% اذا ما تم استخدام الهاتف أو تطبيق بدلا من التجوال المتكرر للشاحنات الذي يضيع نصفه بلا جدوى..
(6)
إن حل مشكلة الضوضاء في الأردن أمر في متناول اليد، ومبني على أساس مبدئي شرعي هو حرمة الإضرار بالغير والتزام وطني بقاعدة احترام حرية الآخرين في العيش في وطن منخفض الضوضاء.. وتستطيع الجهات القائمة على مكافحة التلوث البيئي إصدار التشريعات اللازمة لتخفيض التلوث الضوضائي الذي أصبح يهدد صحة المواطنين بأمراض عديدة كفقدان السمع، والضغط وتصلب الشرايين والتوتر النفسي وقلة التركيز.. بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية والمشاجرات، والخسائر المالية لجهات مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والتي تقدر بمئات ملايين الدنانير..
المراجع
(1) تعليمات “الحد والوقاية من الضجيج لعام 2003 “ الصادرة عن وزارة البيئة
(2) قانون حماية البيئة لعام 2017
(3) دراسة قام بها جمعية مساندة البيئة عام 2020 .