م. فواز الحموري
هجرة هي ودرب ووداع مع ثنايا أنوار مكة يؤذن فيها لرسول الله وصاحبه بالمغادرة صوب يثرب وبناء الدولة هناك بعيدا عن الأذى ويكون الحبيب لحظتها على أطلالها مستودعها الباري جلت قدرته وقائلا: «وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله تعالى، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك».
ويدخلها المصطفى المختار ثانية وبعد أعوام مهللاً ومكبراً فاتحاً منتصراً عزيزاً دائماً أبداً، ومن حوله المهاجرون الذين طردوا بالأمس من ديارهم وأهليهم، وحوله الأنصار الذين استقبلوه خير استقبال فكانوا نعم الأصحاب هم وإخوانهم المهاجرون، وجاء بلال ذلك الحبشي الأسود الذي عذبه أمية بن خلف من قبل أشد عذاب، وصعد على البيت الحرام وأعلن انتصار الحق وهزيمة الباطل وكبر وأذن وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
هجرة هي ومسافة بين مكة ويثرب وبين الحق والباطل وبين النور والظلام ورحلة عظيمة من البيت العتيق إلى المدينة المنورة وطيبة المدن وإلى مساحة العمل والتأسيس لدولة إسلامية ومركز استراتيجي هام في المنطقة.
هجرة هي تاريخ ومعنى للصبر والإيثار والامتثال والحكمة ليأتي الحق ويكون «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81).
هجرة هي من دار إلى دار ؛ عزم وأخذ بالأسباب ورحلة تستحق منا وبعد السنوات التي مرت وحتى الآن وبواقع 1443 لنقرأ من جديد التاريخ الإسلامي لدعوة الحق وما تعرضت له من محاربة ومناهضة.
هجرة ومناسبة لتتبع مسار خطوات مبعوث الرحمة للعالمين وسبر أغوار معالم تلك الرحلة المباركة وقصة الصمود والصبر والتخطيط وإرساء قاعدة التغيير في أرجاء طيبة النور والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في وحدة متينة.
هجرة هي من ديار الاهل إلى ديار الأحبة وترك ما كان من هدام المتاع إلى رزق الله المقدر في مكان آخر وفي بقعة مختلفة وأرض بعيدة عن مهوى الفؤاد ومهجة النفس إلى مكان لا يفصل عن البيت العتيق سوى مسار قصير.
بين أنوار مكة وعبارات ترحيب أهل طيبة كانت الهجرة وقصتها التي ندرسها ونعلمها للأجيال ونكرر قراءة: «إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» سورة التوبة (40)؛ فكم كانت الهجرة وظروفها ووقعها وأثرها كبيراً وعظيماً على دعوة الحق وترافق فيما بعد فرح النصر بفتح مكة والدخول في دين الله :» إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)» سورة الفتح.
نحتفل برأس السنة الهجرية وبداية شهر محرم والتي اجتهد في بداية تأريخها الخليفة عمر بن الخطاب وبدأ التقويم لجميع الأحداث فيما بعد لمسار الدولة الإسلامية، وكم يبدو جميلا مع ثنايا الاحتفال العودة لتفاصيل هجرة الدرب من الوداع وحتى ساعة النصر، لعل ذلك يبدو الامل كبيرا في هجرتنا إلى دار الحق وقد اكتمل الايمان في النفوس ورسخ بالعمل الصادق المخلص في هذه الحياة بكل خير نصنعه ومعروف نزرعه وصدقة جارية ندخرها للآخرة وخلق رفيع نسمو به ومودة صافية تريح القلوب والنفوس.
بداية لسنة حافلة بالبركة والطيب وقريبة من معنى هجرة الوداع إلى حمد النصر، عام مفعم ومعطر ومكلل بكل الخير لجميع من يعقد العزم على هجرة النفس إلى بارئها للفوز بالنعيم.
[email protected]