محمد يونس العبادي
لم يكن الأردن، قيادة وشعباً، إلّا حريصاً على صيانة الحقوق العربية في فلسطين، في نهج أسس له الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، إذ بذل أقصى جهدٍ لأجل حماية هذه الحقوق.
والمطالع لتاريخ القضية الفلسطينية، وما مرّت به من أدوارٍ يدرك بأنّ الملك المؤسس كان أول زعيمٍ عربيٍ يتبنى القضية الفلسطينية، ويدافع عنها، وذلك منذ ظهور أخطار وعد بلفور عام 1917.
وكان الأردنيون أكثر العرب حرصاً وحماساً لفلسطين وقضيتها، وهذا ما تشير إليه عديد الوثائق التي تظهر باكراً قلق الملك المؤسس من استمرار تدفق الهجرة اليهودية في العقود الأولى من القرن الماضي، وعندما أعلن في فلسطين الإضراب الشهير عام 1936م، كان الأردنيون أول من تحركوا لنجدة فلسطين، وجمع الإعانات، ومضوا في إضرابٍ تضامنيٍ مع الشعب الفلسطيني، بل إنّ المطالع لوثائق تلك الفترة وصحفها الصادرة في عهد الإمارة يلحظ بأنّ «شرقي الأردن» عاشت أجواء الإضراب والثورة الفلسطينية آنذاك.
وقد وضع الأردنيون جميع إمكانياتهم، وقدموا الدعم للثوار، في موقفٍ تناغم مع مؤقف الملك المؤسس الذي أرسل في العاشر من كانون الثاني عام 1938م، بمذكرة احتجاج إلى اللجنة الملكية البريطانية التي أوفدت للتحقيق في الأحداث التي شهدتها فلسطين، وعرض فيها أماني العرب وحقوقهم، وفنّد أباطيل الصهيونية وإدعاءاتها.
وفي الخطاب الذي ألقاه الملك المؤسس يوم تويجه ملكاً في الخامس والعشرين من أيار عام 1946م، عاهد الله على الجهاد المقدس من أجل الدفاع عن فلسطين، وكان الأردن فاعلاً في حث العرب على خوض معركة عام 1948م، وحشد المتطوعين في سبيل فلسطين وعروبتها.
وأهمية الدور الأردني في تلك الفترة، جاءت بعدما أعلنت بريطانيا في 29 تشرين الثاني 1947م، عرض مشروع التقسيم على هيئة الأمم المتحدة، في قرارٍ أقرته الجمعية العمومية، وتبعه تصريحٍ بريطاني قطعت فيه لندن عهداً بإنهاء انتدابها على فلسطين، وجعلت يوم 15 أيار 1948م، موعداً لانسحاب قواتها.
وهنا، صممت الدول العربية، وفي مقدمتها الأردن على مقاومة قرار التقسيم، والعمل على إحباطه بالطرق السياسية والعسكرية، وفي أوائل عام 1948م، دخل جيش الإنقاذ الذي أسسته الجامعة العربية إلى فلسطين، ثم تبعه قرار للجامعة العربية بدخول القوات العربية إلى فلسطين، وزحف الجيش الأردني فدخل أريحا أولاً، ثم امتد تواجده ومعاركه إلى القدس وخاض فيها معارك بينها معركة باب العمود.
وقد استطاع الجيش الأردني أن يطهر القدس القديمة من اليهود، وأنّ يكبد العصابات الصهيونية خسائر جسيمة، وقد اعتبرت معركة باب الواد من أعنف المعارك وأشدها، وبشهادة بن غوريون فقد خسر اليهود في هذه المعارك ضعفي العدد الذي خسروه في معارك فلسطين الأخرى.
لقد جاءت بعدها، الهدنة التي فرضها مجلس الأمن الدولي بدءاً من تاريخ 11 حزيران 1948م، ولمة أربعة أسابيع في وقتٍ كان فيه الجيش الأردني يضيق الخناق على العصابات الصهيونية، ويواصل التقدم.
غير أنّ هذه الهدنة نقطة تحول إذ استغلتها الصهيونية في تهريب كميات من الأسلحة وعملت على تجنيد محاربين أجانب بينما لم يستطع العرب الحصول على أيّة أسلحة لجيوشهم، وخاض الجيش الأردني بعدها معارك أسفرت عن الحفاظ على عروبة القدس والعديد من مدن الضفة الغربية، وذلك حتى جاء موعد الهدنة الثانية في 19 تموز 1948م.
وبعد توقيع اتفاقية الهدنة في 3 نيسان 1949م، عين الأردن حاكماً عسكرياً لإدارة المناطق الفلسطينية التي كانت قواتها تسيطر عليها، وبقي الأمر كذلك حتى منتصف كانون الأول 1949م، عندما أنهيت مهمة الحاكم العام وربط متصرفو الألوية بوزير الداخلية، لتبدأ مرحلة جديدة من الاهتمام بالقضية الفلسطينية، انتهت بوحدة الضفتين، وتخللها عقد مؤتمر أريحا في الأول من كانون الأول 1948م، بالإضافة إلى غيرها من المؤتمرات والعرائض الفلسطينية التي نادت بالوحدة.
وقد اجتمع مجلس النواب الأردني في 13 كانون الأول 1948م، مؤيداً قرارات الوحدة، وفي 7 أيار 1949م، بدأت الاجراءات الممهدة لإعلان الوحدة الأردنية الفلسطينية بتعديل وزاري أدخل ثلاثة من أبناء فلسطين في عضوية الحكومة، وبدأت الاجراءات الرسمية عام 1950م.
وفي 24 نيسان 1950م، اجتمع مجلس الأمة الجديد كممثل للضفتين ووافق على قرار الوحدة بين ضفتي الأردن في دولة واحدة هي المملكة الأردنية الهاشمية.
لقد منح الملك المؤسس هذه الدولة كل ما قلبه من خير وطيبة وبذل ومحبة، ومنحهاحكمته الواسعة وخبرته العميقة في العمل السياسي، حتى استشهد على أبواب الأقصى في 19 تموز 1951م.
إنّ الوجدان والتاريخ الأردني، عميق الصلة والجذور ومتشابك مع فلسطين، في علاقة أسس لها ملوك بني هاشم وسعوا إلى أن تكون معززاً في سبيل عروبة فلسطين ومقدساتها، في مواقف موصولة، ولا تزال حاضرةً حتى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.