كانت دمشق أو (الشام) كما درجنا على تسميتها، عند إقامتي فيها للدراسة في جامعة دمشق اوائل الستينات الفائتة، تبعث على الارتياح وتشعر ساكنيها بالسرور، اذ كانت نظيفة هادئة مرتبة تتزين شوارعها بالاشجار وتنبعث من حدائقها رائحة الياسمين ويشرب الناس فيها من عين الفيجة ماء نقيا متميز المذاق.
وكان لدمشق في نفوس الاردنيين مكانة خاصة بسبب ذاك السرور والارتياح المتلازم، تدفعهم لزيارتها في كل مناسبة وموسم، وهو الشعور الذي ما يزال الأردنيون يكنونه للشام، بمعزل عن اجوائها السياسية وبعيدا عن نهجها العقائدي، وقد تربينا هنا في هذا البلد على ان نعيش ونفكر ضمن الاطار العربي والمشاعر القومية منطلقين من ظلال المملكة الأردنية الهاشمية التي نحب.
ولم تتأثر نظرة الأردنيين الى دمشق خاصة وسوريا عامة تبعاً لنهجها السياسي او اطارها العقائدي، تلك النظرة التي يحكمها الوجدان وتتحكم بها المشاعر أخوة واهلاً وجيرة.
وعندما كانت سوريا تشهد أحداثا دامية تدميرية بين عامي 2012 و 2018 في حراك ما سمي بالربيع العربي، كان الأردن ملكا وحكومة وشعبا يتابع مجريات الأحداث بالشقيقة الجارة الملاصقة، وظل يدعو سياسيا ودبلوماسيا واعلاميا الى تهدئة الحراك الشعبي من اجل الاصلاح بالحكمة والتعقل، بعيدا عن الحديد والنار وتجنبا للقتل والتدمير، وفي نهج عربي سياسي واضح يوصل الى التفاهم والانسجام والتعاون بين مختلف القوى الحية المخلصة في البلاد.
فإذا كان لا بد للإنسان مواطنا وشعبا ونظاما أن يخطئ، فان من الصواب بالمقابل أن يستفيد الإنسان من الخطأ، حتى يصوّب مسيرته ويقوّم سلوكه ويغير من منهجه، أما إذا ظل يكرر الأخطاء ويراكمها، فان ذلك يفقده الرغبة الصادقة في تحسين نفسه، لا بل ويساعدها على الانحدار التدريجي نحو الهاوية الاجتماعية، التي لا يجد فيها من يساعده على إزالة تعثره.
وها هو الأردن اليوم يتجه بانظاره الى سوريا، ليمهد ساحة للتعاون والتبادل بين الشعبين الشقيقين، في ابعاد اجتماعية ثقافية اقتصادية، تزيل الجمود عن لهفة التفاعل وتعزل التردد عن معدن التجاوب، فالمصلحة واحدة والغد مشترك والتضامن مطلوب، وأية عاصمة أهل لهذا الدور اكثر من عمان؟
والملاحظ أن العلاقات بين الأردن وسوريا تتخذ مسار العودة، ويبدو أن الأردن الرسمي والتجاري والصناعي والرأي العام يستعجلها. وهو ما بدا في إعادة التشغيل الكامل لمركز جابر الأردني (نصيب من الجهة السورية) الحدودي. وفي بحث مجالات التعاون في قطاعي النفط والكهرباء وفقاً للمتغيرات في الداخل السوري، والمواقف الإقليمية والدولية، ولارتباط الأردن بحدود طولها 375 كيلومتراً مع سوريا، عدا عن أن الأردن تحمّل جزءاً كبيراً من أعباء ما حدث بسوريا عبر تدفق اللاجئين إليه.
مواضيع ذات صلة