محمد يونس العبادي
تجيء زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني، إلى واشنطن، في توقيتٍ سياسيٍ مهم، فجلالة الملك، أول زعيم عربيٍ يلتقي بالرئيس الأميركي جوبايدن، بعد انتخابه رئيساً.
وأهمية التوقيت السياسي، تنبع من أنّ هذه الزيارة، تأتي بعد أربع سنواتٍ من مرحلة «ترمب» وما خلفته هذه المرحلة، من عبءٍ ثقيلٍ على قضايا المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بطروحات صفقة القرن، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وما خلفته تلك المرحلة، من عبثٍ في مبادئ إيجاد الحلول العادلة للقضية الفلسطينية.
فالسياق السياسي للإدارة الأميركية الديمقراطية، ينبري اليوم إلى تعزيز الدور الأميركي، وإعادة تموضع واشنطن في العديد من ملفات السياسة الدولية، وبينها القضية الفلسطينية، إذ كان على رأس الشعارات التي رفعتها الإدارة الأميركية، وعملت على ترسيخها، هي «أميركا عائدة لقيادة العالم من جديد»، بالإضافة إلى لعب دور أكثر فعالية في العديد من قضايا إقليمنا المثقلة إما بعبء الحضور أو بعبء الغياب الأميركي، في مرحلة سابقة.
ووفق هذه الرؤية، فإن زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن، تعيد من جديد التأكيد على وزن الرؤية الأردنية، ومبادئها الداعية إلى حلولٍ عادلة لقضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فإنّ كان الدور الأميركي لم تتضح معالمه بعد، فمن المُنتظر أن يتحرك هذا الملف، بعد أن خفت انشغالات الإدارة الجديدة بالوباء على مدار الأشهر الأولى من عمرها.
وبداية تشكيل رؤية الإدارة الديمقراطية وتحركها باتجاه المنطقة، كانت بالزيارة الملكية، والإصغاء إلى وجهة نظر جلالة الملك عبدالله الثاني، وهو صاحب الخطاب المتزن، والصلب، والمؤكد على أن لا حل للعديد من الأزمات، إلا بدءاً من تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين، وتحقيق العدالة.
ويدرك القائمون على أمر السياسة الخارجية في واشنطن، ما مرّ به الأردن من صعوبات المرحلة السابقة، وأنّ الأردن تصدى لهذه الصعوبات، بصلابةٍ، وإيمانٍ مطلق بأنّ أيّ قفزٍ عن فلسطين، هو فقط محاولة في الهواء لا تعود بالنفع على المنطقة.
والأردن، بقيادة جلالة الملك، صاغ خطاباً أخلاقياً متزناً، ينشد العدالة للفلسطينيين، بوجه الخطاب المضاد، الذي حاولت الإدارة الجمهورية السابقة إيجاده، وقد نجح جلالة الملك عبدالله الثاني، في تلك المرحلة، بقيادة الدبلوماسية العربية، وإقناع العالم، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي بخطورة ما كان يقدم من طروحات، من قبل الإدارة السابقة.
وهو دور أردني موصول، حاضر على الأرض بالوصاية الهاشمية الراسخة ودورها في صون هوية المقدسات العربية والاسلامية، وذو إرث عميق ويكتسب بعدا في القوانين الدولية، بما يتقاطع اليوم، مع المتغيرات الجديدة في واشنطن، المُدركة لأهمية الطرح الأردني، ذلك أنه طرح يستند إلى إرث عميقة جذوره، في فهم المنطقة، وإيصال صوت شعوبها إلى عواصم صنع القرار في العالم.
وليست وحدها الظروف السياسية في فلسطين، التي ستكون حاضرة على طاولة المباحثات، فالمنطقة اليوم تمر بتحولات عميقة، سواء على صعيد الجوار الأردني أو على صعيد أبعد جغرافياً، ذلك أنّ العراق يشهد متغيرات هامة يمكن البناء عليها في انتشاله ومساعدته على الحضور في الفضاء العربي، وهو ملف تشتبك فيه الإدارة الأميركية بقوة من خلال تواصلها مع الحكومة هناك، والأردن يؤمن بأهمية هذا الدور العراقي، ويسعى إلى التشبيك معه ومساعدته لترميم ما شاب الإقليم من أزماتٍ أخذت تترك بانعكاساتها على الإنسان العربي، وليس ببعيد عن ذلك سوريا، و?زمتها، والتي ظلت حاضرة في الخطاب الأردني بالتأكيد على وحدة أراضيها وعودة اللاجئين إلى بلادهم.
داخلياً، فإنّ العلاقة الأردنية الأميركية مرّ عليها 70 عاماً، وتتصدر واشنطن قائمة العواصم المانحة للأردن مالياً وفي العديد من المجالات التنموية، وهذا الدعم يسهم في تعزيز الاقتصاد الأردني، خاصة بعد مرحلة الوباء، وما تركته من انعكاسات سلبية أحوج ما نكون إلى الحد منها، ويمكن قراءة تلقي الأردن للمنحة الأخيرة المقدرة بـ 600 مليون دولار، بالإضافة إلى دعم مخزون اللقاحات الأردني بنصف مليون جرعة لقاح، كتعبير عن التقدير الأميركي لجلالة الملك عبدالله الثاني والأردن، بما يمهد لقمةٍ مهمة، تؤكد محورية الدور الأردني، وأهم?ته.