كتاب

اشكالية الهوية

ذابت الأقلام في البحث عن الهوية والاشكاليات التي تحيط بها، وقد أنهكت عقول المفكرين العرب منذ قرنين، في البحث والتحليل، لتحديد هذه الحالة المستعصية ووضع الحلول المناسبة.

من بين الباحثين المهتمين بهذا الموضوع الباحث عبد القادر ابوشمسية الحداد الذي يرى أن الانسان العربي لم يتعرف على ذاته بعد، ولم يعرف الأسباب الحقيقية للحالة التي نحن عليها، ولم يجد أمة تشعر بالحرج عندما تفتخر وتعتز بقوميتها، ويضيف بأنه لذلك فان الهدف لن يتضح من هذا الكتاب المعنون بـ'اشكالية الهوية» الا بعد قراءته كما هو، ويضيف أن البحث عن جذور الأمة نجده في تاريخها، فتاريخنا طريقنا لمعرفة ذاتنا؛ وهذا الأمر بحاجة الى جهد وجراة، لتبيان الصحيح، وبحاجة لقدرة على التحليل، ولإعادة قراءة التاريخ قراءة صحيحة، معززة ?شيء من العلم بالقواعد السياسية، والبيانات الاجتماعية. وها هي أبواب التاريخ مفتوحة لكل من يريد الدخول الى أعماقه.

لقد كانت للعرب خصوصيتهم: عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، وكان لنزول الدين الإسلامي الحنيف على سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، النبي العربي القريشي، الذي حمل رسالة الإسلام، الأثر الأكبر في تغيير مجرى حياة الإنسان العربي، اذ أصبحت له هوية جديدة، التحمت بالهوية الأصلية الأولى، واستلم العرب زمام القيادة، وحكموا أنفسهم بأنفسهم، وأقاموا منارة علم وحضارة وقيم، وتخلقوا بأخلاق الدين الحنيف، لاعتقادهم أنه سبب عظمتهم وانتصاراتهم، وأصبحت بمثابة الهوية للانسان العربي، والتي طغت على الهوية العروبية.

ونظرا لشمولية الإسلام والفراغ الفكري العربي قبله، فقد اشتملت العقيدة على مجمل حياة الإنسان العربي المسلم، فملأت حياته، وتناسبت مع ثقافته ووجد بها ذاته، مثلما يعتز العرب بانضوائهم تحت مفهوم الوطن العربي، هذا الوطن الذي يشعر كل مواطنيه، بأن لكل منهم دوره في بناء وطنه، وعليه ان يدافع عنه، ويحافظ على منجزاته، والجميع مواطنون سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات، بينما الإسلاميون لا يعترفون بكلمة وطن، بل بـ(دار الإسلام) وهو مصطلح جغرافي ليس له حدود معينة، فحدوده كل أرض يتمدد فيها الإسلام، والعقيدة الدينية هي?الميزان.

ترى الفئة ذات النظرة العروبية ضرورة تحقيق الحرية الكاملة، فهي العنصر الرئيسي للاستقرار السياسي، في حين أن الإسلاميين أعطوا أنفسهم الحق للتدخل في حياة أفراد المجتمع، ويعتبر العروبيون أن الدين لله والوطن للجميع، ويقومون بواجباتهم الدينية دون مغالاة، ارضاء لخالقهم وراحة لضميرهم. أما بعض الاسلاميون فيعتبرون أنفسهم موكلين من الله سبحانه، ويعيشون حياة المسلمين الأوائل كما يعتقدون، وقد وظفوا الدين للسياسة للوصول الى السلطة، ويستغلون البسطاء والفقراء من المسلمين. ويتغنون بالتاريخ الإسلامي الذي صنعه مسلمون غير عرب،?وما يزال الكثير من الإسلاميين العرب ينتظرون من الفرس أو الترك تحريرهم. لذا نحن بحاجة الى قراءة التاريخ بعين السياسة، لناخذ عبرة من الأخطاء السياسية، ونكتسب تجارب سياسية جديدة. وما علينا الا تقوية هذا الجسد (العروبة)، واعادة الثقة للذات العروبية كي ينهض هذا الجسد من جديد.

dfaisal77@ hotmail.com