عبدالهادي راجي المجالي
أحضر لي صاحبي أمس (شماغاً) مهدباً, وأنا بطبعي أحب أن أرتديه في الشتاء.. فهو يقي من المطر والهواء وبرد تشرين, ويشعرك بالجنوب وحوران والبلقاء.. أنت أصلاً حين ترتدي الشماغ, كأنك تحمل البلد على رأسك..
لم يعجبني (الهدب).. أنا بصراحة, لا أحبه غزيراً وكثيفاً.. هنالك بعض الأنواع من (الهدب), تكون بسيطة جدا ولكنها تعطي رونقا خاصا للشماغ, وتلك ميزة لأهل الجنوب بالتحديد الكرك.. هم يرتدونه (بهدب صغير)..
للعلم عمر العبداللات له أغنية مشهورة كتبها صديقنا ماجد الزريقات: (هدبتلي شماغي الاحمر وبيدها غزلت علم).. وقد تعودنا أن يكون هنالك سيدة متخصصة بتهديب الشماغ, وكنت أظن أنها قصة سهلة.. ولكني حين رأيت حجم العمل والدقة, وحجم ما تمضيه النساء في هذه العملية, أدركت أنها مهنة تحوي ابداعا هائلا..
في النهاية حتى أجعل صاحبي يعرف ما أريد, عدنا لشماغ (ولي العهد) وقلت له هذا ما أريده, شماغا مهدبا تماما مثل شماغ (ولي العهد).. يا ترى من هي السيدة التي (تهدب) لولي العهد شماغه؟.. أنا لا أعرف.. لكنه كان في زيارة لمركز صحي لتفقد عملية إعطاء المطعوم, وكان يرتديه بشكل محترف.. ودققنا في الصورة ودققنا أيضاً في هدب شماغه..
(الهدب) ليست عملية للزينة, ولكن في بدايات تأسيس الجيش, وحتى يتم تمييز العسكري عن غيره, تم (تهديب) الشماغ الخاص بالجيش, وفيما بعد صار الأمر ميزة للشماغ الأردني عن سائر المنطقة العربية.. وتبين أن كلفة الهدب هي أغلى من قيمة الشماغ نفسه, فصناعته ربما تحتاج لماكنة تنسج الخيوط.. وهذه عملية لا تتعدى دقائق معدودة, بالمقابل عملية الهدب بقيت للآن يدوية, والمرأة الأردنية تحتاج لأيام حتى تنهي الحياكة والقص..
حب الوطن ورسم حدوده, يشبه عملية الهدب للشماغ.. وهو يشبه إلى حد بعيد ما قاله حبيب الزيودي حين وصف الأردني عبر قصيدة له: (في فتية خيطوا الصحراء من دمهم وعلموا أهلها التحنان والطربا)..
الأردنيون ثبتوا وطنهم بالدم المهدب, ولم يتركوا نقطة حدودية ملتبسة ولم يجرؤ أحد على اختطاف إقليم أو محافظة منهم, ولم تسقط وحدتهم يوما.. ربما من أسرار صمودنا في هذا الوطن أننا قمنا بحياكة علاقتنا مع الكيان, تماما مثل سيدة محترفة.. حاكت بيدها أجمل هدب لشماغ أكثر رجال العشيرة فروسية ومروءة..
قلت لصاحبي: أريد هدبا مثل الموجود على شماغ ولي العهد, هو مثلنا حين يرتدي الشماغ يشعر أنه يحمل وطنا كاملا على رأسه.. وهل هنالك أعز من الرأس حتى تحمل عليه.. وطنك..؟
يا ليت أن هذا الجيل يتعلم اصول (ارتداء الشماغ) مثلما يفعل ولي العهد.. القصة ليست ترفا، ولكن فعلا نتمنى ان نرى الجيل الجديد يرتدي أهم رمز وطني بما يليق به، فهيبة الموروث يجب أن لاتمس أبداً..
إذا أردت أن تعرف رجلا, دقق في تفاصيله.. فالتفاصيل مهمة جداً, وصدقوني أن هدب الشماغ ليس تفصيلا عابراً, والكتابة عنه ليس ترفاً.. بل هي الروح الأردنية التي تعشق كل شيء يرتبط بهذا الوطن.
.. بالنسبة لولي العهد، أود القول له: (يسلم الشماغ وصاحبه)..
[email protected]