محمد يونس العبادي
يعد تاريخ الرابع عشر من أذار لعام 1924م، أحد التاريخ الهامة في سيرة الدولة الأردنية، فهو اليوم الذي بويع فيه الشريف الحسين بن علي (طيب الله ثراه) بالخلافة في عمّان.
وهذه البيعة بالخلافة، جاءت كاستجابةٍ على إلغاء الخلافة العثمانية، وتمثل هذه البيعة أحد مظاهر مشروع النهضة العربية الكبرى، وما أسس له من حضورٍ قوميٍ ودينيٍ ما زال حاضراً في وجدان الأمة.
من بين وثائق هذه البيعة، والتي جرت في عمّان، خلال زيارة الشريف الحسين بن علي لها، «وثيقة مبايعة أهالي السلط والبلقاء للشريف الحسين بن علي أميرا للمؤمنين بعد ان تم عزل السلطان عبدالمجيد».
وجاء في الوثيقة أنه «بالمجلس الشرعي المنعقد في محكمة شرعية السلط حضر جميع الذوات المحددة أسماؤهم والمرفقة أختامهم أدناه وقرروا لدينا ... كل واحد منهم، بِسْم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فإنه لحصول العلم بأن الأتراك قرروا إلغاء الخلافة وأخرجوا عبد المجيد بن عبد العزيز من عامر ملكهم وصار من المفروض ديناً نصب أمير للمؤمنين في منصب الأمانة الكبرى إذ لا يجوز باجماع المسلمين عدم وجوده وبما أن جلالة ملك العرب الحسين بن علي أيده الله بنصره توفرت به شروط لكونه قرشياً عالماً، فإني أبايع جلالة سيدي ومولاي الحسين بن علي بن محمد بن عون القرشي الحسيني أميراً للمؤمنين ليعمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقسم على ذلك يمين الطاعة والإخلاص سرا وجهرا ما أقام الدين واعتبره مرجعا دينيا للعالم الاسلامي وعلي بهذا عهد الله وميثاقه ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً»..
والذوات الموقعون على هذه الوثيقة، هم: الشيخ مصطفى الفياض الزعبي، والشيخ بندر الفارع الربيع، والشيخ محمد النعيم الديات، وأحد شيوخ عشيرة العواملة، والشيخ اسماعيل باشا السالم الفياض العطيات، والشيخ محمد الكايد ابو بقر، والشيخ محمد الخطيب.
إنّ هذه الوثيقة في متنها، تنقل إلينا مرحلة سبقتها مراحل أرست لها النهضة العربية، وهذه المراحل هي التي أفضت لتأسيس الدولة الأردنية بخطابها ومشروعيتها العروبية والدينية، إذ تنقل جريدة القبلة في عددها الصادر في الثامن عشر من آذار لعام 1918م ، صوراً للابتهاج بالنهضة العربية في بيت المقدس بقلم أحد المقدسيين، وجاء فيها: «فقد عادت دور العلم التي أقفلها الظالمون، ورجعت النوادي التي أغلقها المخربون، ذلك أن الطورانيين كانوا يثيرون الفزع في قلوب المقدسيين، وعادت المدارس للعمل ونشر الروح العربية، ورجع التدريس باللغة العربية ، بما أدى لعودة الروح القومية للمقدسيين».
هذه البيعة، وما ترويه وثائقنا الوطنية من وقائع محل اعتزاز، شكلت مفاهيم صلبة في الوطنية الأردنية بمفهومها الرحب الذي أصل له الأوائل وبقي حاضرا حتى جيل اليوم، جيل المئوية.