الملاحظ في حالة غزة وعلى سبيل المثال التضحية الإنسانية وفقدان العديد من القيادات الوطنية في حركة المقاومة والشهداء من المدنيين ومن مختلف الأعمار والفئات، أنها جميعا تعتبر فداء ولكن يجب النظر إليها على أنها حالة خسارة لا تعوض سوى بسنوات طويلة وأجيال عديدة لتعبئة الفراغ النفسي والمعنوي.
استهدفت الغارات الجوية أهدافا محددة وألحقت الأضرار في المباني الحكومية والسكنية والمرافق العامة والخاصة والمراكز الصحية والخدمية وتحتاج عملية إعادة الاعمار إلى فترات ليست بالقصيرة لعودتها إلى ما كانت عليه في السابق وتلك تعني بلغة الأرقام والاقتصاد مبالغ كبيرة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها غزة قبل ذلك وتعاني من أثار جائحة كورونا الكثير.
مشهد الأنقاض والركام والأضرار يثير مطلبا ضروريا لتقديم العون والمساعدة لمواصلة متطلبات الحياة العامة في غزة بالشكل الطبيعي سواء في البنية التحتية أو القطاع الصحي وتوفير الأدوية والمتطلبات الطبية اللازمة سواء من مستلزمات التأهيل أو أجهزة العلاج الطبيعي والأطراف الصناعية والأدوات العلاجية الضرورية.
تحتاج الحالات الطبية الحرجية إلى علاج خارج غزة وإلى عناية حثيثة في الداخل وإلى أطباء وتمريض لتضميد الجراح وإلى إدارة شاملة لمتطلبات الحياة اليومية في مساحة صغيرة وتعاني الكثير من الأمور الشائكة وأهمها البطالة والفقر والمعاناة اليومية لتأمين لقمة العيش.
تحتاج جهود إعادة الإعمار في غزة إلى الكثير من الوعي والانتباه والإدارة وبعد الرؤية من خلال المبادرات والاتفاقيات والمشاريع والتي تقدر بحوالي 10 مليارات دولار على أقرب تقدير من قبل الخبراء في هذا المجال.
وتحتاج أيضا إلى إلمام تام وفهم عميق لدور من سيقدم المساعدة والدعم وآلية التنفيذ والمراحل الزمنية ؛ من المعلوم أن الجهود التي بذلت خلال الفترة 2014-2017 عقب القصف الجوي والغارات الإسرائيلية السابقة لم تنته إلا وجاءت الغارات الأخيرة لتقصف غزة من جديد وتعيد الكرة وبشكل أكبر كلفة.
الآثار النفسية والاقتصادية والسياسية يمكن قياسها وبسهولة وعبر مؤشرات أصبحت متاحة للباحثين ولكن لا بد من النظر إلى خطر تحقيق الأهداف الاستراتيجية المستمرة من جراء القصف والغارات الجوية على غزة بعد كل مرة تنهض فيها غزة من جراحها السابقة.
تحتاج جهود الإعمار إلى تكلفة باهظة في كل من قطاع الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي والإسكان والبنية التحتية والخدمات وجميعها بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة والى دعم ومساندة كبيرة وجبارة للوقوف من جديد ومواجهة التحديات بقوة.
إعمار غزة لا يحتاج إلى العواطف فقط ولكنه يحتاج إلى تدبير وإدارة وحرص وتصميم للحفاظ على الموارد المتاحة كافة في غزة والاستفادة منها في معترك المواجهات المقبلة.
[email protected]
