كتاب

عتب على قبر درويش

أريد أن أذهب لرام الله، وسأغني في الطريق: (وين ع رام الله ولفي يا مسافر وين ع رام الله)...أريد أن أقف على قبر محمود درويش، وسأقرأ الفاتحة..وبعدها أقرأ العتب، من مثلي يا سيدي لايحق له عتاب الجبل....فأنا في حضرتك ليس إلا نسمة سكرى عبرت من جانبك أيها الجبل...

درويش..دعنا نغير في كلمات قصيدتك قليلا: (أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون الفا..) ولنقل بدلا من ذلك: (أنا غزي ورقم صاروخي... 20000 ألف)...لأن غزة اختصرت فينا العروبة..أيحق لي يا درويش؟ الصواريخ أصدق من القصائد صدقني...

ماذا مثلا لو كان اسمي عبدالهادي راجي هنية؟...ماذا مثلا لو قلت في جلسة أن (ابو عبيدة) ابن خالتي...وحين ولد عبيدة، قمت بإرسال (النقوط) إلى غزة، وأننا نتراسل عبر الفيسبوك...

درويش أنت قلت: (وأولادي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف..سجل في رأس الصفحة الأولى)...دعني أعتذر منك يا صديقي، وأخبرك بأن أولاد فلسطين لم يعودوا مجرد القليل من الملايين..أولاد فلسطين صاروا أمواجا هادرة، تبدأ بالمغرب ولا تنتهي أبدا...صارت الفلسطينية أبعد من جنسية..وأقرب لفصيلة دم، في غزة وحدها أحالوا جواز السفر إلى صاروخ وقذيفة وطلقة، بعد أن كان مجرد دفتر ومجموعة من الأوراق...وماحاجة الفلسطيني إلى جواز سفر أصلا، وهو يملك كل هذه النار...وكل هذا الجبروت؟..

درويش أنت قلت: (سجل أنا عربي..وأعمل مع رفاق الكدح في محجر وأطفالي ثمانية أرسل لهم رغيف الخبز والأثواب والدفتر...) أريد أن أعتذر لك، فالمحاجر لم تعد مهنتنا، لدينا الان أسفل غزة مجموعات هائلة من الأنفاق، ومن كانوا يعملون في المحاجر صاروا يصنعون الصواريخ والطائرات المسيرة، وصاروا يصلون لأهداف بعيدة، ويقصفون ويخططون...وصار لهم أفضل ناطق إعلامي وأرجل رئيس أركان، وقد دوخوا العالم...وغيروا تراث الناس وعادات النساء، لم تعد الزغاريد في عالمنا العربي تطلق لحظة خروج العريس..الان صارت تطلق لحظة خروج الصاروخ، نعم صرنا أمة (تزغرد للصواريخ فقط) ولا تأبه للأغاني أبدا..

كنت أتمنى يا صديقي لو كنت حيا، لربما أرخت هذه اللحظة بالشعر...ولربما أدركت أن مخيم الشاطئ في غزة، صار أجمل من مونت كالو..وصفية التي تجوب باب البيت في مخيم المغازي وترمي القمح للدجاجات...صارت في عرف من يعرفون طعم النصر أجمل وأحلى من كل نجمات (هوليوود)...ومخيم دير البلح هل تدري يا درويش ما حل به؟..صار في الإعلام أهم بكثير من هامبوغ وأهم من نيويورك..وقد قيل لي أن مدينة (شتوغارت) الألمانية جاءت تخطب وده..لكنه طردها قبل أن تصل الشاطئ، فالمخيم يرفع فيه اسم الله في اليوم الواحد مليون مرة...ولم يعد يأبه بعطف المدن الكاذبة...

أنت تعرف يا درويش أن (ابو عبيدة) ليس ابن خالتي، ولكن هذا الملثم الذي نعرف منه الصوت ووميض العيون فقط...صار أبا للعرب، كل العرب.

Abdelhadi18@yahoo.com