د. زيد حمزة
نعم نحن في حالة حرب مستمرة فُرضت علينا قبل مئة عام يوم دخل الجنرال ألنْبي مدينة القدس غازياً عام ١٩١٨ ليطبّق مع الجيش الفرنسي مخطط سايكس بيكو لتقسيم المنطقة المعدّة سراً منذ١٩١٤ ومن ثم لتحقيق وعد بلفور الممنوح (!) عام١٩١٧ لإنشاء دولة اسرائيل، وما عام النكبة ١٩٤٨ الا المنعطف الكبير الذي بدأت المواجهة بعده تأخذ بعداً دولياً سُمِّي بالنزاع العربي الاسرائيلي إخفاءً لواقعه المتمثل باغتصاب فلسطين وطرد اهلها وتشريدهم في كل اصقاع الارض لعلهم يفْنون او ينسون، فلا الاول حدث ولا الثاني تحقق رغم تواصل العدوان عليهم بطرق مختلفة كل الوقت، وما يجري منذ ايام الا آخر رد على تكرار استباحة المسجد الأقصى والاعتداء على المقدسيين لاغتصاب بيوتهم في حي الشيخ جراح من قبل المستوطنين الإسرائيليين وبحماية الشرطة الإسرائيلية، وسط صمت معظم الأنظمة العربية المنشغلة بالتسويات والتطبيع تحضيرًا لصفقة القرن!.
على الصعيد الدولي ليس في الامر جديد، فالقوة الكبرى اميركا لم يتغير موقفها المنحاز دائماً لإسرائيل، ولن يتغير بذهاب رئيس ومجيئ آخر مكانه، وليس مهماً اي حزب سياسي ينتمي له أي منهما ما دامت هي نفسها زعيمة النظام الرأسمالي العالمي الذي يجعلها تقمع شعبها قبل ان تقمع او تساعد في قمع كل من يرفع رأسه في اي بلد في العالم للاعتراض والاحتجاج عليها او ينتفض على حكومته المنصاعة لها ولنظامها!
نعم نحن الآن في حالة حربٍ من الواضح أن موازين القوى الحقيقية فيها على الارض او في الجو معروفة وليس في النتائج مفاجآت كما في معظم المواجهات السابقة بدءًا بحرب ال٤٨ مروراً بحرب حزيران ١٩٦٧وما تلاها من اعتداءات متكررة على الاردن ومصر وسوريا ولبنان وكان آخرها على غزة حصراً في أعوام ٢٠٠٨، ٢٠١٢، ٢٠١٤.. لكن موازين القوى هذه ليست قدراً محتوماً فالمعادلة السياسية الدولية الخاضعة للهيمنة الاحادية الاميركية التي بدت حتى الان قوية ثابتة، نرى فيها عن بعد وعن كثب، عوامل جديدة تنمو وتقوى، واعدةً بقرب تحقيق آمال التغيّر والتغيير، ومن أهم هذه العوامل في نظري ما يجري داخل الولايات المتحدة نفسها من غليان شعبي بدأ يتبلور ويتنظّم في صفوف السود والسكان الأصليين والآسيويين والملونين وباقي المهمشين عمالًا ونساءً حتى من البيض، ومفكرين كبار من اصحاب الضمائر الحرة! بالإضافة طبعاً لانتفاضات الشعوب الاخرى في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، حيثما كان قهرٌ وحصار وتجويع او حربٌ ظالمة على بلد فقير، وحيثما كان نهب وفساد بلغ هذه الأيام سوق المطاعيم ضد الأوبئة، فكيف حين يكون ذلك مقترنا بأطول احتلال في التاريخ المعاصر الا وهو الاحتلال العنصري الاستيطاني (الابارتهايد الجديد) في فلسطين!؟
وبعد.. في مثل حربنا لا ننسى أن الانتهازية تستشري بأشكالها المختلفة من سياسية ومالية وعقائدية، أما دعاة التهدئة المجانية المتلفعة بلبوس ضبط النفس فلنحذر ان بينهم من يدعون للقبول بحلول الامر الواقع المُذل والمفضي الى الاستسلام.. ولهم في ذلك مصالح ومنافع !