رأينا
بمجرد وصول جلالة الملك إلى مستشفى السلط كانت أزمة الحادثة الأليمة والمؤسفة تدخل فصلاً جديداً، فالملك في غضبته اتخذ قرارات مباشرة يجب أن تحضر عند كل مسؤول أردني، فالتنصل من المسؤولية ليس مقبولاً، ولذلك كان الأمر الملكي لمدير المستشفى يتخذ ملامح الأمر العسكري، وخلال فترة وجيزة من الوقت صدرت التكليفات الملكية بتشكيل لجنة عسكرية من الخدمات الطبية لتزوده بتقرير من نتائج التحقيقات، ويبدو أن الغضبة الملكية التي تحركت عندما تداعى المواطنون ليلوذوا بجلالته عند وصوله المستشفى وضعت الحكومة في موقف حرج للغاية، وكان ذلك يظهر بوضوح في خطاب رئيس الحكومة المقتضب الذي أعلن فيه شعوره بالخجل وتعهده بتصويب الأمور في حال تهيأ لها ذلك بما يوحي بأن الحكومة تنتظر قرارات ملكية متتابعة قد تصل إلى إقالتها بالكامل، وفي الحد الأدنى، التوجيه بإنهاء أوجه الخلل والقصور بتدابير استثنائية وعاجلة.
أغلق الملك الباب في وجه الحكومة التي باتت تعرف بأن الخطأ فادح وجسيم وغير مبرر وغير مقبول، والأردن الذي تحمل كثيراً عندما أعلن مع بداية أزمة كورونا أولوية حياة المواطنين على أية اعتبارات أخرى لن يتهاون مع ما يمكن أن يمس حياة مواطنيه، وكان ذلك الميثاق الذي توافق عليه الأردنيون قيادةً وشعباً وكُلفت الحكومات على أساسه، وامتلكت الأدوات السياسية والتنفيذية اللازمة لإنجاز ما هو مطلوب من أجل عبور الأزمة الراهنة.
لم يتوقع أحد أن تكون الزيارة الملكية سريعة ومفاجئة ووسط ظروف صعبة ومتوترة، فشخصية الملك لا ترتضي الجلوس والترقب والانتظار في تفاصيل اللجان والإجراءات التقليدية، ولو كان المسؤولون يفهمون نمط العمل الملكي لكانوا تحركوا من مستشفى إلى آخر في مختلف الأوقات وفاجأوا الطواقم بالمتابعة والاستفسار عن الجاهزية والتفاصيل الفنية، وأرهقوهم بالأسئلة التي تضمن مراجعة كل التفاصيل وتحقيق الزخم اللازم للتميز في الإنجاز.
يبدو أن مصير الحكومة والعديد من المؤسسات أصبح مرتهناً بالتقرير الذي ستصدره اللجنة العسكرية التي شكلها جلالة الملك لتقدم تقريراً منصفاً وواقعياً يقوم على التجرد وتسمية الأشياء بأسمائها بعيداً عن المصطلحات العائمة والكلمات التي تحمل أكثر من معنى التي تلجأ إليها الحكومات في أوقات الأزمات، ويتوقع الأردنيون أن تنجز هذه اللجنة أعمالها بسرعة قياسية لتبدأ بعدها عملية مراجعة ترتقي إلى مستوى الغضبة الملكية وتتخذ نفس السلوك الملكي الغيور على حياة المواطنين وسلامتهم، فالمسؤولية تكليف يقوم على إنكار الذات والتعامل بشجاعة وجرأة مع التحديات وليست مجرد تشريف والمسؤول الذي لا يستطيع أن يتحلى بالشجاعة والحسم أو الذي تشتته أضواء المنصب أو يذهب تركيزه لمصالحه الشخصية لا يستحق البقاء، والغضبة الملكية ستفتح باباً للمراجعة والتقييم الذي سيغير من شكل كثير من المؤسسات في الدولة من الآن وصاعداً.