كتاب

زهرة سيجارة

كلما ارتديت قميصا، أكتشف أن زهرة من سيجارتي سقطت عليه دون علم واحترق.. وكلما هممت بارتداء, بنطال قديم لي.. أكتشف أيضا نفس المسألة، صرت معتادا على الأمر.. وصار همي كلما خرجت أن أقلب ملابسي وأكتشف أين سقطت الجمرة أو الزهرة؟

زمان كانت السجائر مطيعة جدا، ملتزمة بأدب التدخين.. كانوا يقولون لك أنها تحرق الرئة وتقاومها بكل الوسائل، ولكنك لا شعوريا تشعلها.. مثل الحب الذي يأتيك على غفلة دون أن تدري.. لكن السجائر اليوم أصبحت متمردة, فهي لم تعد تحرق الرئة فقط وإنما صارت تحرق ملابسك أيضا..

أنا أعلل المسألة بحجم الهذيان الذي نمر به, فأنت حين تصعد سيارتك.. وتمضي في الطريق، تبدأ بالتفكير.. بأقساط المنزل وفاتورة الكهرباء, والماء.. الزمن الذي مر عليك وتجاعيد الوجه وكورونا التي تخشاها, اللقاح... وأقساط المدارس, والكرك التي لم تزرها منذ زمن.. وتغوص في التفكير وتنسى أن في يدك سيجارة, ودون إذن منك وحين تصل نهايتها.. تسقط الجمرة وتختار إما بطنك أو القدم.. وأحيانا تسقط في الجيب.. المهم أن الرائحة تنبهك، ومثل المجنون توقف السيارة.. وتبدأ في البحث عنها, أين سقطت.. وكم من ثقب أحدثت.

كنت أخطط أن أذهب إلى الخياط، حتى أصلح ما أحدثته الجمرات.. ولكنه قال لي: أن الحروق لا رتق لها، فصرت أفكر كيف أسقط الجمرة على ما تبقى من ملابسي... كي أوحد في الملابس.. باعتبار الأمر (موضة).

لست وحدي حتى أصدقائي حين أجلس معهم, صرت ألمح اثار الجمرات على قمصانهم.. على زوايا البنطال, صرت ألمح.. أيضا رذاذ السجائر الذي تناثر وترك أثره.. على جيوب القمصان وأطراف (الجاكيت)...

اليوم ذهبت مبكرا لشراء الفول, وحين عدت اكتشفت أن كرسي السيارة هو الاخر يشكو من زهرات السجائر, لا يوجد فيه مساحة سليمة.. لقد اكتوى مثلي, بالتفكير.. أو أنه مل من حملي.. أو من صبري أو من كثرة الهواجس...

يا ترى هل يوجد أردني, لم تحرق زهرة السيجارة بعضا من ملابسه؟.. وهل قدر المدخن أن يحترق مع كل سيجارة يشعلها؟.. أنا لا أرى الأمر هكذا أبدا... بل أراه من زاوية أخرى.. نحن في زمن حتى القماش فيه صار يئن ويشكو فيه..

لا تلوموا القماش إذا احترق.. بل اللوم يقع على الأقدار.. التي لم تعد ترحم أحدا.. حتى القماش.

Abdelhadi18@yahoo.com