ها هو المجلس النيابي التاسع عشر، يدخل دورة جديدة، وقد أوكلت إليها وظيفتان مهمتان أساسيتان: «التشريع» و«الرقابة». وقد سبق أن أعد لهذه التظاهرة الديمقراطية الكبرى، التي حرصت القيادة والشعب عليها، بانتخاب شعبي حر ومباشر ومعلن، وها هو مجلس النواب اليوم ينتخب النائب عبد المنعم العودات رئيساً جديداً له، وهو النائب الذي تكرر ترشحه لا بل ترشيحه من مختلف أطياف دائرته وكامل انحاء منطقته (دائرة إربد) لعدة انتخابات نيابية، وينتقيه مجلس النواب دوماً لترؤس إحدى لجانه، وخاصة اللجنة القانونية، بما عرف عنه من استيعاب للبعدين التشريعي والقانوني من مهام البرلمان.
إن غاية ما يتوقعه المواطن من هذا المجلس وبقيادته الجديدة والمتجددة أن تبقى المصلحة العامة التي جرت الانتخابات لتخدمها وقام هذا البرلمان من أجلها، حاضرة في الأذهان والأفعال، وأن يثبت هذا النائب الفذ قدرته على صون المصلحة العامة ورعايتها، بالمشاركة والتفاعل بين النواب أجمعين.
إذ أنه بقدر ما توفر الحياة الديمقراطية لنا الحريات والحقوق واحترام الاختلافات الفكرية والسياسية، فانها تهيء لولادة قوى سياسية واجتماعية متحضرة، تقيم الأمور بمنطلقات واعية وعلمية، وليست بمقاييس سياسية فقط أو بنزعات سلطوية بحتة. كما أن الشعور بالتحسن والنمو على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هو اليوم عامل مشجع لمراجعة الإنسان لحاله وأوضاعه في أي مكان كان، فهذا بطبيعة الحال يبعث فينا جميعاً الأمل والتفاؤل إزاء المستقبل، بل يحفزنا أيضاً على العمل، أكثر من ذي قبل، للتطلع إلى المزيد من التقدم، ذلك لأن الشعور بتحسن أوضاعنا يدفعنا دون شك باتجاه إرساء قواعد متينة وقوية لتكوين مجتمع مدني يحترم المشاركة ويقبل عليها. مثلما تستلزم العقلانية نسقا اجتماعيا ديمقراطياً يشمل الجميع ولا يستبعد أحداً. كما أن الفعل التواصلي يدعونا دوماً إلى أخذ مبدأ المناقشة العقلانية الحرة نهجا للالتقاء وسياسة للاتفاق، وهذا ما يتوقع من الرئيس المنتخب أن يفعله.
إن المجلس الذي جاء بآلية ديمقراطية عبر عنها بالانتخاب، كما رئيسه الذي جاء بآلية ديمقراطية، حتى أنه شجب المبادرة التي كانت تسعى لاختياره بالتزكية بعيدا عن التنافس الشريف الجلي، فلا يتوقع من هذا الناتج المنتخب إلا أن يرسخ الديمقراطية كثقافة وكخبرة، يكتسبها الانسان والمجتمع عبر المسيرة الوطنية، ومن خلال التجربة والممارسة وعبر تطور الوعي والوعي الذاتي.
ناهيك عن أن الشعب الأردني عادة ينظر إلى الفئة المثقفة داخل المجتمع، باعتبارها الأقدر على التطوير والتنمية، علاوة على أن الفئات المهيمنة سياسياً أو اقتصادياً، قابلة للتغير والتبدل حسب الظروف، وتظل بحاجة إلى إطار فكري، يوجه دفتها في قيادة الرأي العام لكي تتمكن من الوصول إلى التغيير الثقافي المطلوب، والذي ينعكس على الانتاج والتنمية، بصورة مفيدة وملموسة، وبانسجام تام بين ما هو شعبي وبين ما هو رسمي في بناء المجتمع.
مواضيع ذات صلة