استطاع الأردن أن ينجز الاستحقاق الدستوري في ظروف حرجة وصعبة، وعلى الرغم من الحديث في الشكليات والإغراق في التفاصيل لتكون مدخلا لدعوات التأجيل استنادا إلى الوضع الوبائي، فإن الرسالة الملكية الواضحة كانت ضرورة الاستمرار في وتيرة الإصلاح السياسي وتجنب وضعها على أرفف المماطلة والتسويف، وإذ سينقضي الحديث حكما على المبدأ الدستوري بانطلاق المجلس التاسع عشر رسمياً بالخطاب السامي، فإن مرحلةً جديدةً من تاريخ الأردن ستعلن عن نفسها في الخطاب الذي يتوقع أن يكون فارقا واستثنائيا لأنه سيمثل القول الأردني الفصل في العديد من القضايا الوطنية والإقليمية، وسيضع المجلس النيابي الجديد أمام مسؤولياته التي ترتكز على الدستور فتبدأ من الشعب ممثلًا بنوابه المنتخبين، والملك ضامنا للدستور والدولة وراعيا مستأمنا على الشعب والمجتمع.
كان العمل على إمضاء الانتخابات النيابية وتمكين الأردنيين من إحداث حالة تغيير جذرية من خلال الدفع بنحو مئة نائب للمجلس للمرة الأولى جزءا من رؤية متكاملة كانت تتبلور من خلال عشرات اللقاءات الملكية مع المواطنين سواء في قصر الحسينية أو من خلال تواجد جلالته ميدانياً في مختلف المحافظات وشتى المناطق، ويمكن الاستنتاج من المقدمات التي ظهرت من ثنايا التوجيهات الملكية في المرحلة الماضية، أن الخطاب المرتقب سيعلن الدخول في عصر الاعتماد على الذات، وتدشين عملية كبرى للنهوض بقطاعات اقتصادية متعددة وفي مقدمتها القطاع الزراعي والصحي وما يتعلق بالأمن الغذائي وبوضع الأردن على خريطة النقل والتخزين في العالم، كما وسيشدد على ضرورة إحداث الإصلاح السياسي والاقتصادي والعمل على الاستجابة السريعة لجملة من القضايا المهمة مثل استعادة الأداء الاقتصادي الذي يمكن من مواجهة مشكلات تعمقت أثناء أزمة الكورونا وفي مقدمتها الفقر والبطالة.
كما أنه من المتوقع أن يؤكد الخطاب على سيادة القانون ومشاركة المواطنين السياسية على مختلف المستويات وتحديد قواعد جديدة للمساءلة تقوم على معايير الإنتاج والإنجاز تترافق مع تطلعات الأردنيين لتجاوز عقد مضطرب من الزمن واستعادة مشروعهم النهضوي الواعد.
لن تتغيب القضايا الإقليمية عن خطاب العرش، وفي المقدمة كما كان على الدوام، القضية الفلسطينية وإظهار الثبات الأردني على ضرورة حل الدولتين الذي يكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويواجه أي حلول التفافية يسعى الجانب الإسرائيلي لاستغلالها من أجل ترحيل مشكلاته والتزاماته السياسية المتعلقة بعملية السلام تجاه الأردن.
ينتظر الأردنيون الخطاب الملكي اليوم، ويقفون بجانب جلالته وهو يؤكد على تكليفه المجلس النيابي بالاضطلاع الكامل بمهامه الدستورية التشريعية والرقابية بالصورة التي تستكمل الديمقراطية الأردنية التي يعتبرها جلالة الملك ركنا أساسيا سيتكامل مع العمل الجاد والمخلص من أجل الارتقاء بالوطن الأردني ووضعه في المكانة التي يستحقها في مستقبل وشيك يشهد تغيرات جذرية على المستوى العالمي، وسيكون ذلك، بإذن الله تعالى، واقعا ملموسا بهمة الأردنيين وعزيمتهم التي تسترشد بالرؤية الملكية الحكيمة.