تتوالى الدروس الملكية التي توجه للحكومة والأجهزة الرسمية لتعبر عن منهج قيادي متكامل يحيط بالصورة من مختلف الزوايا، ففي غمرة الانشغال العام الذي يوجه جميع الجهود تجاه جهود مكافحة الوباء، يوجه الملك أجهزة الدولة لتستعد لموسم الشتاء المقبل، وأن تستفيد من جميع الأخطاء التي حدثت في الماضي، ويستذكر جلالته فاجعة البحر الميت التي ما زالت حاضرة في ذاكرة الأردنيين.
يستبق الملك أية أحداث، ويضع الحكومة ومختلف الأجهزة أمام مسؤولياتها المتعددة، بل ويؤشر إلى ضرورة الاستعداد لفصل شتاء قادم لتستطيع الحكومة أن توظف الإمكانيات الضرورية، وكي يتجنب المواطن تزامن أكثر من أزمة في وقت واحد، فالتركيز الكبير على كورونا، والجهود الجبارة التي تبذلها أجهزة الدولة لا ينبغي أن يكون مبرراً للتقصير في أي موضع آخر، خاصة وأن المواسم المطرية السابقة رفدت المسؤولين على التعامل مع هذه الظروف بالعديد من العبر التي يجب أن تبقى حاضرة أمامهم، وأن يستغلوا جميع الخبرات التي تشكلت في الآونة الأخيرة بغية تجنب تكرار الأخطاء.
هذه الرؤية الاستباقية تتلمس الأسابيع القادمة الحاسمة ومتطلباتها، وتحدد الأولويات المتمثلة في المحافظة على سلامة المواطنين، والمرافق والمنشآت التي يجب أن تكون في أعلى درجات الجاهزية في الفترة المقبلة، وذلك كيلا تتأثر جهود مكافحة الوباء بأية عرقلة أو تعطيل أو تشتت، فالأزمة الوبائية لا يجب أن تكون عاملاً معيقاً لاستمرارية الحياة، ولا ينبغي أن تكون مبرراً لأي تقصير.
تقرر القيادة الملكية السامية في هذه المرحلة أن تواجه مختلف الاستحقاقات بالصورة المناسبة، فالعالم بشكل عام، والأقليم بشكل خاص، سيدخل مباشرة بعد أزمة كورونا في عملية إعادة تموضع متسارعة، وعلى الأردن أن يكون مستعداً لجميع الاعتبارات، وعليه أن يحافظ على جميع منجزاته، وأن يبني في الظرف الحرج والدقيق مزيداً منها، ولعل الحكومة الحالية التي تسلمت ملفاً مثقلاً بالاستحقاقات تحاول أن ترتقي للثقة السامية، وأن تكون عند توقعات المواطنين.
يوجه الملك الدولة الأردنية بشكل عام، والحكومة بوصفها الذراع التنفيذية، ويشمل ذلك جميع الأجهزة والمؤسسات الأخرى، وفي المقدمة المواطن الأردني الذي يتحمل جانباً من المسؤولية من خلال ما يبديه من التزام وتعاون، فهذه المرحلة هي للعمل الجماعي، ولإعادة اكتشاف الثروة الهائلة المتمثلة في الإنسان الذي يستطيع أن يتعامل مع التحديات وأن يواجهها بشجاعة، ولذلك يؤسس الملك لخطاب قائم على الشفافية ليكون أساساً للمحاسبة، خطاب يستطيع الجميع أن يتابعوه، وأن يتقدموا بأداء الأدوار المطلوبة منهم، وفي أثناء عمل الجميع يتنامى الشعور بالتجانس والتماسك الذي يحتاجه الأردن في السنوات القليلة القادمة وهو يخوض تحت القيادة الملكية معترك التنمية التي تقوم على أساس الاعتماد على الذات وتعزيز القطاعات الصناعية والزراعية المختلفة، ليثبت الأردن منعته وتميزه ويؤكد على خصوصيته ونموذجه.