رأينا
وسط ترقب طاغٍ تشاغلت به الأوساط السياسية على مدى الأسابيع الماضية صدرت الإرادة الملكية أمس بحل مجلس النواب في موعد الاستحقاق الدستوري لتقطع الطريق على تكهنات متعددة ارتبطت بالظروف الوبائية السائدة في الأردن والعالم، ولتؤكد على توجهٍ ملكي واضح للارتقاء بالمبادئ الدستورية على التفاصيل الإجرائية، بالإضافة إلى اظهارها الثقة في مؤسسات الدولة وجاهزية الصفين الثاني والثالث من كوادر الوطن المخلصين في شتى المواقع للنهوض بمختلف التحديات، فالمؤسسات كانت دائماً الرافعة الأساسية للدولة الأردنية، ولطالما وجدت في المرجعي? الملكية والرعاية السامية كل الدعم والثقة.
بغض النظر عن تطورات الوباء المحتملة فالمؤسسات الأردنية يمكنها أن تضطلع بمختلف التحديات، والعمق المؤسسي للدولة الأردنية بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى لدخول الأردن في منعطف المراحل الأولى لوباء كورونا، وهو العمق الذي يجري تأكيده بقرار ملكي فارقٍ بخصوص انتخابات نيابية مقبلة خلال أسابيع، وبما يستنهض الأردنيين جميعاً ليكونوا على قدر هذه الثقة في الوطن وأبنائه ومستقبله.
بإمضاء النص الدستور والانحياز للضوابط القانونية يرفض الملك ضمنياً التحجج والتعذر بالظروف، ولا يقبل أن يتحول الخطر الوبائي إلى أداة لتعطيل الحياة واعتراض مسيرة وطن، ويضع جلالته كامل المشهد السياسي أمام لحظة نضج على المهتمين بالإصلاح والمنتمين إليه أن يرتقوا لمتطلباتها، والأردنيون الذين ما فتئوا يطالبون بالتغيير ويسعون إلى تحقيقه يجدون في الملك السند ويتلقون منه كل الدعم إذا ما تلاقى توقهم للتغيير مع النواظم الأساسية للعقد الاجتماعي والدستور والقوانين، وقبل ذلك كله لمصلحة الوطن والمواطن العليا والمسؤولية أما? الأجيال القادمة، فالملك هو قائد التغيير والتحديث منذ اللحظة الأولى، وعلى عكس الدول العربية الأخرى التي رأت في الربيع العربي تهديداً، فإن الملك في وقت مبكر رآه فرصة للتقدم في المعترك الحتمي لتحديث الدولة وإعادة صياغة علاقتها مع المواطن بما يتناسب مع وقائع العصر الحديث ومتطلباته.
إن العالم ليتطلع إلى الأردن بكل تقدير وإعجاب، ويرى في الأردن نموذجًا وتعبيرا عن قوة ومتانة الدولة وفي الموازنة بين الاعتبارات الصحية وحياة المواطنين، ويشكل تماسك الأردن وصلابة العلاقة بين القيادة والمواطنين لدرجة الالتقاء والتطابق في الرؤى تجاه الإصلاح مظهرًا غير اعتيادي في المنطقة العربية التي ما زالت تحاول أن تتلمس وجهتها في مستقبل مضطرب، وبينما ما زالت كثيرٌ من الدول الشقيقة تسعى إلى اتخاذ مواقف دفاعية عن الأطر السائدة والمكرسة، فالأردن يتقدم مبادرًا للتعامل مع المستقبل بنفس الأدوات التي ستكون سائدة في ?قت قريب، ولذلك يحتاج الأردن إلى دم جديد في مختلف البنى السياسية والمؤسسية تستطيع أن تحوّل الرؤية المشتركة بين الملك والمواطن إلى واقع ملموس يعود بمكتسبات فعلية على الجميع لا على فئة بعينها أو تيارٍ بحد ذاته، فالأردن للجميع، وكذلك الملك هو للجميع ومعهم.