في اجتماع استثنائي في سياقه وظروفه انعقدت الدورة الخامسة والسبعون للأمم المتحدة عبر تواصل تقنيات الاتصال المرئي، وألقى جلالة الملك خطاباً تاريخياً تقصى فيه التحديات العالمية التي تفاعلت على خلفية تفشي وباء كورونا، ضارباً المثل الذي يظهر مدى تشابك العالم بأن فيروساً لا يرى بالعين المجردة انتقل من شخص واحد في مكان محدد وبعيد ليتحول إلى كابوس يهز أساسات النظام الدولي، ويهدد الاقتصاد العالمي والبشرية بأكملها بشكل غير مسبوق.
لا يدعو الملك في خطابه للانكفاء والانغلاق، بقدر ما ينبه لضرورة أن يكون «كورونا» درساً للعالم بأسره يدفعه للتعامل على أسس التكافل والتعاون حيث لم تعد أي دولة تمتلك رفاهية الانعزال عن العالم، ولدى كل دولة مهما كانت محدودة الإمكانيات دورٌ تؤديه في حالة تعرض العالم للخطر على هذه الدرجة، وأعاد الملك طرح دعوته لإعادة ضبط العولمة في المحفل الأهم عالمياً الذي يجمع صناع القرار بصورة تضعهم أمام مسؤولياتهم التي يجب أن يتصدوا لها بصورة حاسمة وعاجلة.
يبقى الأردن جزءًا صميمًا من النظام العالمي، ويتبوأ موقعًا يمثل الاعتدال والانفتاح، ويتصدر الدول التي تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار بوصفهما المتطلب الأساسي لتقديم حلول ممكنة وناجعة لمختلف المشكلات العالمية، وللأردن وجهة نظرها التي يعبر عنها الملك في شتى المحافل الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، التي يذكرها الملك أن الصراع العربي – الإسرائيلي هو الصراع الذي واكبها منذ تأسيسها، بل وتفاقم خلال العقود الماضية، ويعيد الملك توضيح الموقف الأردني، والتشديد عليه، داعياً إلى حل الدولتين والاحتكام إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بوصفها الطريق الوحيد نحو السلام العادل والدائم، والملك إذ يؤشر لديمومة السلام فإنه يذكر المجتمع الدولي بأن أي حل لا يراعي الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وتحقيق العدالة لملايين الفلسطينيين سيبقى حلًا ناقصًا وغير قابل للاستمرار، لأنه حق يمس حقوقًا لا تسقط بالتقادم، وستظل الأجيال القادمة تطالب بحقوقها التي لا يمكن أن تغطيها أو تتجاهلها الحلول المتعجلة أو المتحيزة.
يذكر الملك بالقدس الشريف بوصفها ملتقى أفئدة المؤمنين في العالم، والرمز العالمي للسلام، ويعلن أن أي حل لا يقف عند وضع المدينة بصورة جدية وعادلة سيكون مستحيلًا، ويجدد الملك تعهداته بالحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس من خلال الوصاية الهاشمية التي تبقيه المرجع المقبول لأبناء المدينة والطوائف الدينية المرتبطة بها في مختلف أنحاء العالم، ولكن الملك يفتح أيضًا الباب للعالم بأسره بأن يشارك في حماية المدينة المقدسة لتكون قبلة مفتوحة يقصدها الجميع في أمن وسلام، وألا تتحول إلى عنوان لصراع مستقل يتداخل فيه الديني بالسياسي في زمن التطرف والتعصب، وهي الدعوة الملكية التي قدمها الأردن للعالم من خلال جهوده المتواصلة في محاربة الإرهاب وفي تقديم الإطار الفكري للتسامح من خلال رسالة عمان والعديد من المبادرات التي جرت تحت رعاية الملك وبدعمه.