د. عبدالرحمن امين البلبيسي
تراود بعض الاردنيين في الاونة الاخيرة تساؤلات حول استقرار سعر صرف الدينار الاردني بعد ازمة كورونا و ما رافقها من تباطؤ في عجلة الاقتصاد محليا و دوليا و بعد تراجع اسعار صرف عملات دول عربية و اقليمية مجاورة .
و للاجابة على تلك التساؤلات يجب ان نتعرف اولا على آلية سعر صرف العملات بشكل عام و من ضمنها الدينار الاردني مقابل العملات الاجنبية الاخرى . كانت الية سعر الصرف السائدة عالميا ما بعد الحرب العالمية الثانية تعتمد على سعر صرف ثابت مغطى بالذهب , وفي عام 1944 اجتمعت وفود 42 دولة في الولايات المتحدة و قررت ان تكون العملة العالمية هي الدولار الامريكي حيث كانت الولايات المتحدة تمتلك ثلثي الاحتياطي العالمي من الذهب و اصبح الدولار هو العملة الوحيدة القابلة للتحويل الى الذهب , فكان على جميع الدول ان تغطي اصدراتها النقدية بكمية من الذهب و تلك الكمية هي التي تحدد سعر صرف كل عملة , و كان على دول العالم تبديل الذهب بالدولار من اجل استخدامه في الاستيراد و التجارة العالمية . استغلت الولايات المتحدة فرصة كون الدولار العملة العالمية المقبولة في التجارة العالمية و قامت بطباعة اوراق دولار غير مغطاة بالذهب و حصلت من خلالها على سلع حقيقة من الدول الاخرى الامر الذي ادى الى احتجاج عدد من قادة العالم و من ابرزهم الرئيس الفرنسي شارل ديغول بنهاية الستينات ما ادى لاحقا الى انهيار نظام سعر الصرف الثابت المغطى بالذهب ( نظام بريتن وودز ) بشكل جزئي عالم 1971 و بشكل كامل عام 1973 . اصبح بعدها نظام سعر الصرف يعتمد على الطلب و العرض من العملة دون اي غطاء من الذهب , و هو ما يسمى بسعر الصرف الحر , و في هذا النظام يصبح سعر الصرف عرضة للتقلبات من خلال حجم الطلب على العملة الوطنية اي من خلال الصادرات و حوالات العاملين و تدفقات رؤوس الاموال الى داخل الدولة و هي عوامل ترفع سعر الصرف , و من خلال العرض من العملة المحلية اي من خلال الواردات و حوالات العاملين الاجانب من الاردن للخارج و رؤوس الاموال المتدفقة للاستثمار الى الخارج و هي عوامل تخفض سعر الصرف , فاذا كان مجموع الطلب على العملة المحلية اكبر من مجموع العرض ترتفع العملة المحلية ( و يزداد احتياطي العملات الاجنبية ) و اذا كان العرض اكبر من الطلب تنخفض العملة المحلية ( و يقل احتياطي العملات الاجنبية ).
كذلك يجب ذكر عامل آخر مهم في استقرار سعر صرف العملة الوطنية لاي دولة و هو ثقة المواطن بعملته الوطنية , ففقدان تلك الثقة يؤدي الى بيع العملة الوطنية بكميات كبيرة و شراء الدولار او العملات الاجنبية الاخرى الامر الذي يخلق طلبا كبيرا على العملات الاجنبية و عرضا كبيرا من العملة الوطنية ما يؤدي الى انخفاض سعرها , و هنا تبدأ لعبة المضاربات على العملة الوطنية من خلال توجه توقعات كل المتعاملين في سوق سعر الصرف الى انخفاض العملة الوطنية مما يؤدي الى انهيارها كما حصل مؤخرا بالليرة البنانية , بحيث ساهم المضاربون على الليرة اللبنانية و الذين جنوا ارباحا من تلك المضاربات في انهيار سعر صرف الليرة و بمزيد من فقدان الثقة بها .
كان الدينار الاردني ما قبل عام 1989 يعادل 3 دولار امريكي الا انه و بعد الازمة الاقتصادية عام 1989 انخفض سعر صرف الدينار الاردني الى النصف تقريبا فاصبح يعادل حوالي 1.4 دولار , و استمر التأرجح في سعر صرف الدينار مقابل الدولار الامريكي ضمن نظاق معين الى ان اختار البنك المركزي الاردني عام 1995 تثبيت سعر صرف الدينار مع الدولار الامريكي على سعر صرف يعادل 1.41 دولار و منذ ذلك الحين اثبت الدينار الاردني استقرارا في سعر صرفه و اثبتت تلك السياسة نجاحها في اضفاء الثقة و الاستقرار على سعر صرف الدينار .
نعود الى الوضع القائم حاليا في الاردن و نقول ان شفافية الارقام المنشورة على موقع البنك المركزي الاردني تشير الى ارتفاع حجم الاحتياطيات من العملات الاجنبية عن السنوات السابقة , فنلاحظ على سبيل المثال ان حجم الاحتياطي من العملات الاجنبية كما في شهر يوليو الفائت هو 11.5 مليار دولار بالاضافة الى ثلاثة مليارات دولار بالذهب اي ما مجموعه 14.5 مليار دولار , بينما كانت 13.9 مليار دولار بنهاية عام 2019 و 12.9 مليار دولار بنهاية عام 2018 . يكفي الاحتياطي الحالي لتغطية فاتورة الاستيراد للاردن لمدة 12 شهرا ( باعتماد متوسط عام 2019 اي مستوردات بقيمة 1.14 مليار شهريا ). و بينما كانت هذه النسبة المثالية في السابق تترواح بين 3 الى 4 تضاعفت لدى معظم دول العالم بعد الازمة المالية العالمية عام 2008 , بحيث ازداد تحوط الدول الى مزيد من الاحتياطيات بالعملات الاجنبية من اجل الحفاظ على سلامة مستورداتها و امنها الغذائي و الوطني.
يبلغ متوسط هذه النسبة لدى دول الاتحاد الاوروبي 3 فقط ( اي تكفي لمدة 3 شهور ) و تبلغ لدى دول جنوب اسيا 8 , و تبلغ لدى اعضاء دول منظمة التنمية و التعاون (OECD)9 , و تبلغ لدى الدول الاقل تقدما 7 , و يبلغ متوسط النسبة على مستوى العالم 12.
من التحليل و الحقائق المذكورة اعلاه و من خلال الية السوق ( العرض و الطلب ) على الدينار الاردني و نتيجته الحاصلة في احتياطي العملات الاجنبية نجد ان هناك توازنا مطمئنا يصب بشكل واضح في تراكم الاحتياطات الاجنبية لدى الاردن و هو امر يحافظ على استقرار سعر صرف الدينار ثابتا مع الدولار و متحركا امام العملات الاخرى باتجاه مشابه تقريبا لاتجاه حركة الدولار معها .