هذه الحالة الفريدة لم تحل دون أن يبدأ الملك من الإشارة إلى الاستحقاق الدستوري المقبل الذي يتطلع لأن يعبر عن النبض الحقيقي للمجتمع الأردني، فرؤية جلالته تزاوج بين المحافظة على التقاليد الراسخة والسعي تجاه تطوير البنى المؤسسية والقانونية والرسمية وتحديثها، ولذلك انحاز الملك قبل أسابيع إلى الاستحقاق الدستوري وأعلن التوجه إلى انتخابات نيابية ستجري في ظروف صعبة ليكون ذلك تعبيراً عن إصرار الأردن على إنجاز مشروعه في الإصلاح السياسي.
وتحدث الملك إلى الحضور من مختلف المحافظات حول الخطوات القادمة في عملية تحول كبيرة فرضتها ظروف الوباء الأخير ذي الأثر الكبير على الإنسانية بشكل عام، وأكد على عزم الأردن أن يحول التحديات إلى فرص من خلال الاستفادة من السمعة الطيبة التي عززتها منجزات الأردن في خضم الأزمة الجارية، والمزايا النسبية التي تأكدت أثناءها، مع إيلاء الأهمية القصوى لما يمكن أن ينعكس إيجابياً على المحافظات، ولذلك تصدرت الزراعة والسياحة مقدمة الأولويات الوطنية في المرحلة المقبلة.
أكد الملك في السياق ذاته أن الأردن بمؤسساته وشعبه استطاع في تجربة التعامل مع المخاوف الوبائية أن يعتمد على إمكانياته الذاتية، وأكد جلالته على ضرورة بدء حقبة جديدة من الاعتماد على الذات نتيجة ما أظهرته الأزمة من وجوب تمسك كل دولة بناصية طاقاتها الطبية وأمنها الغذائي وتماسكها الاجتماعي لعبور الأوقات الصعبة.
عبرت روح جديدة عن نفسها فيما سمعه الملك من الحضور الذين أشادوا بأداء الأجهزة الرسمية خلال أزمة كورونا، ودعوتهم للبناء على الإنجازات التي حقّقتها المملكة في الأشهر الماضية للحد من آثار الفيروس، فكانت أمام الحكومة رسالة مزدوجة تلاقت فيها رؤية الملك السامية مع تطلعات الأردنيين الطموحة ليكون لزاماً على الحكومة ومؤسساتها أن تسعى إلى ترجمة هذه الروح الجديدة التي يعيشها الأردن إلى مكتسبات ملموسة تعود على جميع أبنائه بالخير والاستقرار في المدى البعيد، وبحلول ناجعة على المستوى الاقتصادي في المدى القصير.
يبقى الأردنيون ومليكهم نموذجاً يحتذى به في التعامل مع الصعاب، والمتأمل لتاريخ الأردن يجد الأمثلة الكثيرة لتحديات وأزمات تجاوزها الأردن وخرج منها أقوى مما دخلها ليصبح درساً للعالم في الإصرار والعزم النابعين من الصدق والإخلاص للوطن والإنسان.
