أ.د. محمد الرصاعي
ما يزيد على (80%) من الذكور في الأردن مدخنون، وهي من أعلى النسب عالمياً، وكشفت دراسة حديثة لمعدلات التدخين في الأردن أنَّ (45%) من طلبة المدارس ممن هم دون (15) عاماً قاموا بتجربة أحد منتجات التبغ.
أرقام مرعبة تدق ناقوس الخطر وتشير إلى مخاطر جسيمة بدأت تتعمق تبعاتها سريعاً، فقد أُنفق على التدخين في العام الفائت (2,32) مليار دينار وهو الرقم الأعلى للفرد في العالم، عدا عن الخسائر التي تمتد إلى مساحات عديدة غير الصحة والإنتاجية.
ويبذل القطاع الطبي بكافة مكوناته جهود مضاعفة للتعامل مع الآثار الناجمة عن التدخين كأمراض القلب والرئتين والسرطان ويزداد تأثير هذه الأمراض بسبب زيادة عدد المدخنين، ومدة تعاطي السجائر، إلى جانب تنامي نسبة الأطفال المدخنين، وكذلك الآثار التي يتسبب بها تدخين الأمهات على الأجنة والمواليد الجدد.
الحكومة الأردنية بعد ظهور الأرقام المفزعة شكلت في عام (2019) لجنة وطنية لمكافحة التدخين والتبغ برئاسة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وعقدت اللجنة عدة اجتماعات، وأكدت عزمها وضع برنامج عمل وإجراءات وفق جدول زمني محدد، كما أشارت اللجنة ضرورة تطبيق قانون الصحة العامة وبكل حزم لمنع التدخين في المناطق العامة والمغلقة، والبدء بالوزارات والمؤسسات العامة والمدارس والجامعات ومنع بيع التبغ للأطفال وتحت طائلة المسؤولية، إضافة إلى سلسلة من الإجراءات والسياسات الحكومية المتعلقة بالحماية والتوعية وتعزيز دور العيادات الطبية التي تشجع على الإقلاع عن التدخين.
ولكن لم نلمس على أرض الواقع إجراءات تحد من ظاهرة التدخين، بل أنَّ الأرقام في تنامي بشكل مفزع، ويتحدث البعض عن معيقات تواجه الحكومة من المضي قدماً في تفعيل مجموعة القوانين التي تم إقرارها سابقاً، أو تشريع قوانين جديدة أكثر صرامة تطال عملية تصنيع التبغ محلياً وتشدد القيود على استيراده، ولا بد في هذا الاتجاه من دعم مؤسسات عديدة في المجتمع لدور الحكومة في مكافحة التدخين وفي مقدمتها مجلس النواب.
الأرقام الصادمة المعلن عنها تكشف خللاً كبيراً في منظومة التربية والتعليم بكافة مكوناتها في المجتمع الأردني؛ الأسرة، المسجد، المدارس، والجامعات، وفشل مناهج التعليم في بناء سلوك الأفراد واتجاهاتهم، الأمر الذي يتطلب مراجعة السياسات والاستراتيجيات التي تعيد لهذه المؤسسات دورها الاجتماعي، ومساهمتها في حفظ المجتمع من مخاطر ظواهر سلبية عديدة في مقدمتها ظاهرة التدخين.
عندما يكون الوعي هو طوق النجاة من مخاطر تهدد المجتمع، تكون الإشكالية في الحاجة إلى وقت طويل وجهد كبير للوصول لتحقيق الأهداف، وتضافر الجهود والخطط بين جميع الجهات والمؤسسات المعنية برفع منسوب الوعي حيال القضايا والظواهر التي تضرب في خاصرة المجتمع وتهدد صمود أركانه.
[email protected]