رأينا
في خضم الايقاع المتسارع لأزمة كورونا العالمية وترافقه بتباطؤ التجارة العالمية وحركة البضائع بين الدول أثبتت الصناعة الأردنية جدارتها وتنافسيتها وقدرتها على تلبية حاجات السوق المحلي، وكان أداؤها يمثل نقطة قوة في مجمل المعزوفة الوطنية التي شهدها الأردن أثناء الأزمة وحالة عدم اليقين التي أحاطت بالأسواق، وحصلت الصناعة الأردنية على ثقة كبيرة من جلالة الملك الذي أشار إلى أهمية الالتفات للطاقات والخبرات المتوفرة لدى الصناعيين الأردنيين، ومن بين القطاعات الصناعية التي أثبتت قدرتها على الاستجابة للأزمة كان لصناعة المواد الغذائية دور كبير استقطب اهتماماً ملكياً خاصاً تكلل بتوجيهات واضحة للحكومة بدعم قطاع الصناعات الغذائية بداية من النهوض بواقع الزراعة وحتى الاهتمام بالتصدير وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات الأردنية.
كانت الزيارات الملكية التفقدية واطمئنان جلالة الملك بصورة شخصية على المخزون الاستراتيجي للمملكة أثناء ذروة جائحة كورونا، والتواصل مع شتى مصادر المعلومات والمؤسسات الوطنية التي تتعامل عن كثب مع الصناعات الغذائية تؤسس لإطلاق توجه ملكي يضع الدولة بأكملها أمام مسؤولية تعزيز مكانة الأردن كأحد المحطات الأساسية في مجال الصناعات الغذائية في المنطقة، ولا سيما أن حجم القطاع في وضعه الراهن يزيد على 4.5 مليار دينار أردني، ويقوم على أصول تزيد على 1.5 مليار دينار، بما يجعله يشكل ربع الإنتاج الصناعي في المملكة، و6% من الناتج المحلي الإجمالي، وبتكامل هذه المعطيات مع وجود الخبرات الأردنية في مجالات التصنيع الغذائي فإن الفرص المستقبلية للتصدير إلى دول الخليج ودول الجوار العربي ودول الإتحاد الأوروبي من شأنها أن تشكل أحد الخيارات الاستراتيجية لعملية الإصلاح الاقتصادي في الأردن.
أخذت تتبلور في الآونة الأخيرة استراتيجية ملكية واضحة لإعادة الصناعة والزراعة والسياحة بوصفها أعمدة الاقتصاد الإنتاجي إلى موقعها بوصفها أساس ورافعة للأنشطة الاقتصادية الأخرى، وتبدا الاهتمام الملكي من جديد في مجموعة من الزيارات الميدانية التفقدية بالأمس لامست عن كثب واقع واحتياجات العديد من القطاعات الاقتصادية.
تأتي المتابعة الملكية لإعطاء دفعة معنوية كبيرة لمؤسسات الدولة الأردنية للخروج من منطقة الراحة والاستعداد لجولات جديدة من العمل تجاه تعزيز انتاجية الأردن في القطاعات الاستراتيجية في عالم من المتوقع أن تتصاعد أزماته في المستقبل القريب، وأن يشهد عمليات إزاحة كبرى في علاقاته وتوازناته.
الأنشطة الملكية يجب قراءتها على مستويين، يتمثل أولهما في التركيز على القطاعات كثيفة التشغيل للعمالة وذلك لمواجهة مشكلة البطالة وتحدياتها في المجتمع الأردني، وتوفير قدر كبير من الاكتفاء في القطاعات الاستراتيجية، وثانيهما يركز على الموقع التنافسي في الأردن في منظومة عالمية ترتسم ملامحها حالياً بمجموعة من المعطيات التي تفرض نفسها على صناع القرار حول العالم، ويطرح النموذج الملكي المستبصر بحكمة وعقلانية وبعد نظر نفسه على المشهد الوطني والدولي ويحدد الطريق ومعالمه في السنوات القادمة.