ما زال الأردن يحافظ على سجل متميز في ندرة عدد إصابات ووفيات كورونا قياسًا بعدد السكان وبالوضع العام للمنطقة، وهو الأمر الذي أشار له الملك في لقائه مع الحكومة بالأمس، بالإضافة إلى إشادة جلالته بما أبداه الأردنيون من التزام واضح يعكس درجة كبيرة من الوعي مع اعادة افتتاح المساجد والكنائس للمصلين من جديد، وفي الوقت نفسه أكد الملك على ضرورة استمرار حالة اليقظة لدى الجميع، فكورونا لم تصبح جزءًا من التاريخ بعد، وهو ما يتضمن توجيهاً صريحاً بتفعيل سياسات حذرة ومسؤولة على جميع المستويات، واستمرار الموازنة بين الاعتبارات الصحية والاقتصادية لتجنب العودة إلى الإغلاق الكلي وما يكبده ذلك للدولة والمواطنين من تكلفة جسيمة.
أتت الرسالة واضحة في متنها وحملت أيضاً رسائل أخرى يجب أن تلتقطها السلطة التنفيذية، ومنها عدم جواز التحجج أو التذرع بالظروف التي أسفرت عنها جائحة الوباء، وضرورة المباشرة بكثير من الجدية والتركيز على العمل في المرحلة المقبلة، والخروج بحلول واقعية وقابلة للتطبيق لتجاوز المصاعب الاقتصادية، فيطلب الملك من الحكومة توضيح الإجراءات التي ستتخذ من أجل حماية الاقتصاد الوطني وشرحها للقطاعات المختلفة، لكي يطمئن المواطن بأن غداً سيكون أفضل، وذلك ليس تأكيداً على نهج المكاشفة والشفافية فحسب، ولكن تقديم المزيد من الإجراءات الملموسة التي يشعر المواطن بنتيجتها وأثرها، حيث يعتبر المواطنون أولاً وأخيرًا المؤشر الأساسي للحراك السياسي في المملكة، ويمتلك جلالته تواصلاً مستمراً مع العمق الشعبي يجعله يشعر بصورة مباشرة بتقييم المواطن الموضوعي والحقيقي للجهود الحكومية.
الوباء الذي يعتبر تحديًا عالميًا غير مسبوق يلقي بظلاله على المرحلة المقبلة وطنياً وربما سيحدد موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل، ولكنه لن يشكل عائقًا أمام الأردن يعرقل مسيرته، فالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد يجب أن يمضيا كتفًا بكتف وأن يبدي الجميع الجدية في التصدي لمتطلباتهما، ومرة أخرى تأتي الرسالة الملكية لتدعم الحكومة على أرضية ما ستقدمه فعليًا من تقدم على مستوى الاستجابة الاقتصادية والإصلاح السياسي، فالمرحلة ليست مناسبة للتمهل والترقب، ولكنها ساعة العمل التي يجب أن يبقى صوتها حاضرًا في أذهان الجميع، والعمل وحده، وكما أشار الملك لأكثر من مرة، بجدية ودقة، هو المعيار الوحيد الذي يمكن على أساسه التقدم بالأردن لتجاوز منعطف كورونا الحاد، والخروج إلى أفق جديد بعد سنوات من المتاعب الإقليمية التي كبدت الأردن الكثير.
الفرص التي تتاح اليوم أمام الأردن أتت نتيجة أدائه الوطني والمؤسسي خلال أزمة صعبة أظهرت المعدن الحقيقي للأردن والأردنيين، ولا يجب إهدار هذه الفرصة بالوقوف باسترخاء أو توجس أمام التحديات والتذرع بالمصاعب والمخاطر، فالأردن يقف على أرض صلبة ويمضي تحت قيادة ملهمة ومتفهمة ويبقى أن تستلهم المؤسسات هذه الروح وتستثمرها كمنهج فكر وأسلوب عمل.
