خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

شفافية الموازنة.....ضرورة اقتصادية!

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. محمد أبو حمور

لا شك بان نشر وتوضيح المعلومات والبيانات المتعلقة بالموازنة العامة يتيح فهم وتقييم عمل الحكومة وأولوياتها وسياساتها وبرامجها ، ومن خلاله يمكن معالجة الثغرات المتعلقة بمختلف جوانب حياة المواطنين وارساء ضوابط واسس تضمن التوازن بين مختلف الشرائح الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية، فالموازنة العامة تعكس التوجهات الاقتصادية للسلطة التنفيذية ورؤاها المستقبلية، وتحدد دورها التنموي وأسلوب تمويله.

وخلال السنوات الماضية قام الاردن بتطوير وتحديث اسلوب اعداد الموازنة وتنفيذها ورفع مستوى شفافيتها الى مراتب متقدمة أهلته ليحتل المرتبة الاولى عربياً في تقرير شفافية الموازنة عام 2010 ، ولا شك أن المملكة قطعت خطوات مهمة في اطار سعيها لتعزيز الانضباط المالي ورفع مستوى الشفافية ويتجلى ذلك في النشرات المالية الدورية التي تصدرها وزارة المالية مثل النشرة المالية الشهرية، وتقرير الحسابات الختامية للموازنة العامة وغيرها من التقارير الاخرى التي تصدرها دائرة الموازنة العامة وديوان المحاسبة.

كما أن قيام الحكومة بتطبيق نظام إدارة المعلومات المالية الحكومية تعد خطوة رائدة لتطوير ادارة المالية العامة، ولا زلنا بحاجة الى الاستمرار في تعميق نهج الاصلاح المالي لضمان كفاءة الانفاق وتوزيعه بشكل عادل على مختلف مناطق المملكة وبما يعزز النمو الاقتصادي ويساهم في خلق بيئة استثمارية محفزة ، وصولاً الى تخفيض العجز وزيادة الاعتماد على الذات خاصة في ظل التطورات التي يشهدها الاقتصاد العالمي في الظروف المستجدة.

يأتي الحديث حول هذا الموضوع بمناسبة الاعلان نهاية شهر نيسان الماضي عن نتائج مسح الموازنة المفتوحة لعام 2019 ، الذي تقوم به على المستوى الدولي منظمة شراكة الموازنة الدولية مرة كل عامين بالتعاون مع منظمات محلية من المجتمع المدني.

وقد تم اجراء المسح في عام 2019 في 117 دولة ، ويتم المسح عادة ضمن ثلاثة محاور أساسية، هي محور الشفافية والذي يلخص مدى اتاحة وتوفر المعلومات والوثائق المتعلقة بالموازنة العامة للجمهور وأمكانية الاطلاع عليها، ووفقاً للمارسات الفضلى هناك ثماني وثائق لا بد من اتاحتها لاطلاع الجمهور وهي بلاغ الموازنة ومشروع قانون الموازنة قبل اقراره وبعد اقراره عندما يصبح قانوناً نافذاً وموازنة المواطن والتقارير الدورية بما في ذلك المراجعة نصف السنوية والحساب الختامي أضافة الى تقرير ديوان المحاسبة.

اما المحور الثاني فهو محور المشاركة ويبين امكانية مشاركة المواطنين في المراحل المختلفة من الموازنة.

وأخيراً محور المساءلة وهو يتعلق بمدى شفافية الادارة المالية وامكانية اخضاع المسؤولين في الادارات الحكومية للمساءلة فيما يتعلق بادارة الاموال والموارد العامة.

وتعكس هذه المحاور إجراءات إعداد الموازنة العامة، وتفاصيل ونوعية البيانات والمعلومات الواردة في وثائقها وفي التقارير ذات العلاقة.

ووفقاً للمسح المشار اليه أعلاه فقد استطاعت المملكة ان تحافظ على صدارة ترتيب الدول العربية في معيار شفافية الموازنة العامة لعام 2019 بحصولها على احدى وستين نقطة من 100 في محور الشفافية متجاوزة بذلك المعدل العالمي البالغ خمساً وأربعين نقطة، وعلى مستوى العالم احتلت المملكة المرتبة الحادية والثلاثين.

وبالرغم من أن النقاط التي حصل عليها الاردن تشير الى انها من المرجح ان تنشر ما يكفي من البيانات لدعم النقاش العام حول الموازنة ، الا ان ذلك شكل تراجعاً عن المسح الذي اجري عام 2017 حيث حصلت المملكة في حينه على 63 نقطة.

وتبدو الامور أقل جاذبية اذا تحدثنا عن محور المساءلة والذي حصلنا فيه على 43 نقطة، أما في محور المشاركة فقد حصلت المملكة على سبع نقاط فقط لتحتل المرتبة الثالثة عربياً بعد تونس ومصر، علماً بان المعدل العالمي لهذا المحور يبلغ 14 نقطة فقط.

ومن الواضح ان هذه النتائج تؤكد ان المجال متاح امام المملكة لتحسين تصنيفها ليس على المستوى الاقليمي فقط وانما على المستوى العالمي ايضاً.

ان الدعوة الى تحسين مستوى الاردن في مجال الشفافية ليست لكون الشفافية هدفاً بحد ذاتها وانما لأنها وسيلة لتحقيق العديد من المصالح الاقتصادية على المستوى الوطني والتي تحمل في طياتها اثاراً ايجابية على مختلف القطاعات الاقتصادية، فتعزيز الشفافية والمساءلة والمشاركة المجتمعية تهدف الى الحد من من الفساد المالي والاداري ، كما انها تساعد في تشخيص نقاط الضعف وخاصة ما يتعلق بهدر الموارد المالية والتخصيص غير الكفؤ لها ما يمكن بالتالي من التوجيه الرشيد للنفقات ورفع كفاءة الانفاق العام ، خاصة اذا تم اتاحة اكبر قدر ممكن من البيانات حول مجمل السياسة المالية، وهذا كله سينعكس في النهاية على نوعية وكلفة الخدمات التي تقدم للمواطنين، هذا من جانب .

ومن جانب اخر سوف تتعزز الثقة بين المواطن والحكومة عندما يدرك المواطنون ليس فقط كيف يتم صرف ما يدفعونه من ضرائب وانما ايضاً عندما يقومون بالمشاركة الفاعلة في تحديد الاولويات ذات الجدوى والتي تنعكس بشكل مباشر على مستوى حياتهم وعلى مستوى الخدمات التي تقدم لهم.

كان من الممكن خلال العامين الماضيين ان تتم الاستفادة من تجربة اللامركزية لتعزيز المشاركة الشعبية عبر أخذ راي المواطنين في المحافظات عند اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بالسياسة المالية، أضافة الى اتاحة المجال لتحديد المشاريع التي تحتاجها المجتمعات المحلية ، بحيث يتم متابعة مراحل تنفيذ المشاريع والتأكد من انها تحقق الاهداف والنتائج المتوخاة،.

ويشير أحد ابحاث منظمة انقاذ الطفولة الى أنه لا يمكن اعتبار مشاركة المواطنين ترفاً فهي تلعب دوراً مهماً في المساعدة على تحديد السياسات المحلية التي تخفف الاعباء وترفع الكفاءة ، أما عندما يتم تنفيذ السياسات المالية دون استشارة المواطنين فقد يؤدي ذلك الى اضطرابات اجتماعية والامثلة على ذلك متعددة، وهناك ابحاث اخرى تؤكد أن شفافية الموازنة عادة ما تكون مرتبطة بمؤشرات أفضل في التنمية البشرية وأن الجهات الحكومية والاجهزة الادارية تكون أكثر كفاءة في الدول التي تتميز ببيئة أكثر شفافية .

ولغايات تحسين الشفافية ورفع مستوى المساءلة والمشاركة الشعبية فيما يتعلق بالمالية العامة لابد من توفير المقدمات الموضوعية التي تتيح لهذه التحسينات ان تشق طريقها بسلاسة وموضوعية، ومن المهم هنا التأكيد على جانبين أولهما يتعلق بتوفر الاطار التشريعي الملائم الذي يتيح اتخاذ الاجراءات اللازمة وتطوير أدوات المشاركة الشعبية والانفتاح على المواطنين فيما يتعلق بالسياسات المالية وتوضيح اوضاع الاقتصاد الكلي والسياسات الاصلاحية التي يتم انتهاجها أضافة الى توفير البيانات الملائمة والشاملة والمفهومة في التقارير الدورية والحرص على دقتها وانتظام صدورها ، وثانيهما قدرة المواطن ومؤسسات المجتمع المدني على فهم واستيعاب بيانات المالية العامة ودلالاتها المختلفة.

فالفهم الصحيح والدقيق للبيانات يشكل أساساً لتقديم مقترحات ملائمة تخدم المجتمع وتساهم في نهضة الاقتصاد الوطني، وتمكن المواطن من تقييم المشروعات والخدمات التي تقدم بشكل عادل وتعزز القدرة على المساءلة والمحاسبة، وهذا بالطبع يستلزم أن تتصف اعمال المجتمع المدني بالمؤسسية والبناء على ما يتم انجازه خلال الفترات الزمنية المختلفة.

يشكل تحسين مستوى الشفافية دليلاً على صحة المسار الاقتصادي ويحسن التصنيف الائتماني للدولة الذي بدوره يخفض كلفة الاقتراض الخارجي ويحسن المناخ الاستثماري مما يساهم في تحفيز الاستثمارات المحلية وجذب الاستثمارات الاجنبية، ولكي تتحقق الشفافية لا يكفي الافصاح عن البيانات فقط بل لا بد ان يدرك المواطنون أهداف وابعاد السياسات المالية ودور كل جهة والواجبات المطلوبة منها والمسؤوليات المترتبة عليها ، خاصة وأن اتاحة المعلومات والبيانات حول الموازنة والسياسة المالية عموما يشكل مقدمة لمشاركة شعبية واسعة في محاربة الفساد.

أضافة لذلك فان مؤشر شفافية الموازنة يستخدم من قبل المستثمرين ووكالات التصنيف الدولية لفهم البيئة الاستثمارية وتحديد مدى ملاءمتها ويوفر معلومات يحتاجها المستثمرون لاتخاذ قراراتهم المتعلقة بالاستثمار ، كما ان صندوق النقد والبنك الدوليين وتقاريرهما المتعددة تؤكد اهمية الشفافية ودورها في تعزيز الممارسات الديمقراطية والحكم الرشيد في مختلف الدول.

تعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية والمساءلة مهمة ليست صعبة لان لدينا المقومات الاساسية التي يمكن البناء عليها والاستفادة منها، وفي حين ان هذه العملية غير مكلفة ومن المتوقع ان يتم انجازها دون صعوبات تذكر ، الا ان الاثار الايجابية المترتبة عليها تحمل في طياتها قيمة واضافة نوعية تساهم في تكوين دعامة لتنمية اقتصادية ومجتمعية ورافداً لبناء مجتمع متمكن ومدماكاً في بناء الثقة بين المواطن والسلطة التنفيذية.

* وزير مالية سابق

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF