د. عبدالرحمن امين البلبيسي
في ظل انتشار الوباء العالمي و ما يترافق معه من تباطؤ اقتصادي يتوقع ان يؤثر على نظام المدفوعات الوطني سوف نكون بحاجة الى اتخاذ التدابير اللازمة من اجل الابقاء على نظام المدفوعات قائما و فعالا .
يعرف نظام المدفوعات بانه النظام الذي يتم من خلاله اجراء حركات الدفع بين الافراد و الشركات و الحكومة داخل الجهاز المصرفي باستخدام اليات الدفع المختلفة كالشكات و المقاصة الالية او الحوالات او الكفالات او الاعتمادات او غيره او خارج الجهاز المصرفي باستخدام الكمبيالات او الاوراق التجارية الاخرى السائدة بين المتعاملين بشكل عام و يشمل ذلك المدفوعات الداخلية و الخارجية .
ان تعطل المؤسسات العامة و الخاصة عن العمل خلال فترة منع التجول قد خلق شيئا من التحفظ لدى المواطن الاردني على اي انفاق غير الحاجات الاساسية مثل الغذاء و الدواء , و ادى اغلاق معظم محلات القطاع الخاص و الشركات العامة و الخاصة و المصانع في كافة القطاعات الى انحسار فوري في حجم الواردات النقدية التي يفترض ان توفر السيولة اللازمة لتلك الشركات و لاصحاب المحلات للوفاء بالتزامتهم المستحقة للغير و تجاه العاملين لديها , و مثال ذلك ان 60 % من معلمي المدارس الخاصة لم يحصلوا على رواتبهم لشهر اذار بسبب تاخر بعض اولياء امور الطلبة دفع اقساط ابنائهم ( كما افاد نقيب اصحاب المدارس الخاصة ) . كما تاخر عدد من تجار التجزئة عن تسديد التزاماتهم لتجار الجملة بسبب عدم وجود ايرادات بيعية , و تعثر بعض المستاجرين عن دفع ايجاراتهم المستحقة للمالكين الامر الذي انعكس على تعثر بعض المالكين من الوفاء باقساط قروضهم الشهرية لجهات مصرفية او غير مصرفية و التزاماتهم تجاه الغير و سداد الشكات برسم التحصيل .
هذا الامر الذ قد يؤدي الى حصول فوضى لا قدر الله في النظام المالي لا تنتهي فصولها الا في القضاء , و هو امر يحتاج اكثر من سنة للحكم به و ربما سنة اخرى للاستئناف و التمييز الامر الذي قد يضع بعض المؤسسات او الاشخاص عرضة للانهيار و عدم القدرة على الاستمرار في دفع الرواتب و الالتزامات المتربة عليهم لتاخر متحصلاتهم المالية فيكون تصفية الشركة هو الحل الوحيد لايقاف النفقات و تتحول ازمة السيولة هذه الى ازمة اقتصادية حقيقية تؤدي الى خروج العديد من الشركات المنتجة من الاقتصاد و يخرج العاملين بها الى فئة العاطلين عن العمل و يخسر الوطن جزءا من ناتجه المحلي و دخله الوطني . اضف الى ذلك ان معظم الالتزامات الخارجية مثل الاعتمادات المستندية و الكفالات مضمونة من بنوك اردنية و عند الاستحقاق تقيد على حسابات البنوك الاردنية لدى البنوك المراسلة دون مشاورة كونها معززة الدفع.
الامر يتضمن حالتين , تحفظ البعض مع وجود امكانية الدفع لديه , و عدم قدرة البعض الاخر على الدفع لعدم توفر السيولة النقدية بين ايديه , الامر الذي يتطلب من الحكومة توفير مصدر سيولة مؤقت لدى النوع الثاني لحين مرور الازمة الحالية و توعية النوع الاؤل بضرورة الدفع و ان عدم الدفع سوف يؤدي الى تعثر جهات اخرى عن الدفع و ربما فشل نظام المدفوعات المتشابك و الذي يعتمد على متوالية اذا فقدت احد حلقاتها ادت الى فلتانها , مع ايجاد حلول قضائية بديلة للمحاكم لتضييع الفرصة على الذين يستغلون ظروف الازمة الحالية و اغلاق المحاكم المؤقت بعدم الوفاء.
الحلول موجوده و قابلة للتطبيق لكنها مرهونه بوعي المواطن بخطورة المشكلة على لقمة عيشه , فقيام مبادرة وطنية للتكافل بين ابناء المجتمع من اجل المحافظة على نظام المدفوعات الوطني و منع انهياره امر مهم , من خلال تاجيل او مسامحة البنوك بقسط شهر اذار بحيث ينزل من الفوائد الدائنة للبنوك و تخفيض الفوائد على القروض بشكل كبير اسوة بالتوجه العالمي , مسامحة مالكي العقار المستاجرين باجرة شهر كامل و ربما عمل خصم على اجرة عام 2020, تقسيط تجار الجملة لتجار التجزئة التزامات شهري اذار و نيسان و ايار بحيث يدفع نصف المستحق فيها و يقسط الباقي على اشهر لاحقة , تقسيط التزامات تجار الجملة للبنوك بحيث يدفع نصف الالتزام و يقسط الباقي لاشهر لاحقة , التزام الدافعين خلال الاشهر الحالية من تجار و مستاجرين و مؤجرين بدفع الالتزامات المترتبة عليهم بعد الخصم و التقسيط حتى يستمر النظام بالعمل و ينقذوا من بعدهم في سلسلة نظام المدفوعات من التعثر و الافلاس.
كذلك لا بد من تفعيل نظام خدمة تقرير الائتمانCredit Bureau report كي يصبح في متناول جميع التجار و المؤجرين و اصحاب الاعمال و ليس فقط للبنوك العاملة في الاردن , هذا الامر سوف يخلق انضباطا لدى الزبائن المدينين و المستاجرين و المشترين المقسطين بدفع اقساطهم دون اللجوء الى المحاكم و يحمي نظام المدفوعات و بيئة الائتمان في الاردن ضد محترفي اساءة الائتمان.
و اخيرا يجب على المدينين ان يتذكروا ان التزامهم بدفع مستحقاتهم هو واجب شرعي و اخلاقي و ان مماطلتهم في سداد التزاماتهم تجاه الدائنين سوف ينعكس بشكل او بأخر على انهيار دائن اخر و سوف ينعكس على تاخر متحصلاتهم المالية هم انفسهم بنهاية المطاف , كما يجب على الدائنين ان يعلموا ان هذا هو وقت التسهيل و التيسير قدر المستطاع على المدينين من ابناء وطنهم و ان ذلك واجب شرعي و اخلاقي و من اجل ان تبقى سلسلة المدفوعات مستمرة فخسارة جزء يسير من المتحصلات افضل بكثير من خسارة معظمها .
خبير مالي – محاضر سابق الجامعة الاردنية