رأينا
بدأ الملك بنفسه قبل أن يعطي توجيهاته للحكومة بالتحرك بكل ما لديها من طاقات في الأزمة احتواء فيروس الكورونا المستجد، فأخضع نفسه أولاً لفحوصات طبية أثبتت سلامته من الفيروس، وكانت الرسالة لجميع المواطنين بأنه لا يوجد من هو محصن من فيروس خطر يتهدد الإنسانية بأكملها، وأن على الجميع أن يتصرف بمنتهى المسؤولية وأن يتحلى بأخلاق الكبار، فالملك شخصية عامة التقت بالعديد من الضيوف من حول العالم، وبهذه الروح كان الأردنيون يستلهمون الكثير، ففي الحجر الصحي خضع أميرين من العائلة الهاشمية مثل جميع القادمين من السفر، ولم يصدر استثناء ملكي لهما بينما كان بعض القادمين يحاولون البحث عن منفذ لتجنب اجراءات العزل الضرورية في هذه المرحلة.
تمسك الملك بالدستور والقانون، ورفض الحلول الوسط في التعاطي مع الأزمة، وأعلنها بوضوح أن سلامة المواطنين هي أولويته، فأغلق باب الاجتهاد وأوعز للحكومة بتفعيل قانون الدفاع ليكون مظلة تشريعية وقانونية لإجراءاتها وتحركاتها، مطالباً بأن يتم ذلك في الحدود الدنيا، ومما عمق الاطمئنان الشعبي هو التوجيهات الملكية الموازية التي صدرت بإطلاق سراح آلاف السجناء من غير مرتكبي الجرائم الكبرى، وبوصفه قائداً أعلى للقوات المسلحة الباسلة وللأجهزة الأمنية بدأت عملية انتشار هادئة لمنتسبيها من أجل السيطرة على حركة التنقل في الحدود الضرورية، وهو الإجراء الذي تشجعه المنظمات الدولية المختصة وتحث عليه.
ما زالت دول كثيرة تتردد في تطبيق هذه الإجراءات الصارمة تخوفاً من الآثار الاقتصادية، وتماطل في فرض حالة الطوارئ على الرغم من أن مؤشرات الخطورة تتجاوز ما يعانيه الأردن، ولكن الرؤية الملكية في الأردن والقرار الملكي بالحسم ومواجهة الحقائق بكل مسؤولية وحزم أتت لتبعد الأردن عن الأخطاء الكبيرة التي واجهتها دول تهيبت من وضع اجراءات التحوط محل التنفيذ حتى وصلت إلى مراحل متقدمة من الأزمة.
يدير الملك عن كثب ومن مسافة قريبة معركة الأردن مع عدو غير مسبوق وغير مرئي، وبين مسؤوليته في التوجيه المستمر للحكومة وضبط أدائها، ومتابعته للأداء الأمني على جميع المستويات (...) وتبقى مسؤولية المواطنين في الالتزام بقرارات الجهات الرسمية وتوجيهاتها، خاصة وأن القيادة حملت عن قناعة ورضا وبكل شجاعة وجرأة مسؤولية المواطنين جميعاً من خلال قانون الدفاع الذي يستطيع أن يوحد الصفوف لعبور الأزمة الصعبة والعودة بالسرعة الممكنة للحياة الطبيعية، فتطبيق القانون هو الشجاعة التي تفرق بين فرض الكفاية وتجعل القائد يحمل عبء الوطن والمواطنين على أكتافه وهو ما نذر له منذ مولده، ويبقى فرض العين وهو الالتزام والتصرف بوعي ومسؤولية.