رأينا
يمر الاتحاد الأوروبي بفترة عصيبة من تاريخه وصلت بكثير من قياداته إلى حافة الإحباط، وبين مشاكل المهاجرين وانسحاب بريطانيا من المشروع الأوروبي، وتصاعد المخاوف الأمنية، تبدو القارة الأوروبية في أمس الحاجة إلى شراكات دولية مع قيادات استثنائية تؤمن بالإنسانية وطاقاتها وتمتلك رؤية لصناعة مستقبل أفضل للأجيال القادمة والتزاماً مسؤولاً تجاه القضايا التي تشغل العالم والتحديات الماثلة أمامه في فترة تحولات كبرى على جميع الأصعدة.
يأتي جلالة الملك في هذه السنة كأول قائد عالمي يتحدث إلى البرلمان الأوروبي، وليقدم كما ذهبت التوقعات خطاباً سياسياً في سياق أخلاقي يحتاجه العالم أمام مسرح دولي تعقدت فيه المواقف وتشابكت الأدوار وتصاعدت النعرات والمزايدات والاستفزازات، وبصوت العقل والحكمة، ودون مجاملة، كعادة القادة الكبار في المواقف الصعبة والمراحل الساخنة، توجه الملك باستعراض التحديات الأساسية أمام المنطقة، والتي لا يمكن للأوروبيين ولا العالم بأسره التغاضي عنها أو تجاهلها.
حضر الملك يحمل أزمات المنطقة وهمومها وأسئلتها، ووضع خبرته والخبرة التاريخية للدولة الأردنية أمام ممثلي الشعوب الأوروبية.
انطلاقاً من فلسطين، وقضيتها العادلة التي ترزح أمام المناورة والمماطلة الإسرائيلية، واجه الملك قطاعاً عريضاً من الرأي العام الأوروبي بالخطايا التي تواصل اسرائيل اقترافها تجاه عملية السلام من عنف واستمرار في بناء المستوطنات، وعدم احترام القانون الدولي، مؤكداً على ضرورة السلام وحل الدولتين وشخصية مدينة القدس بوصفها المدخل الحقيقي والوحيد لتحقيق الاستقرار، ولتمكين الأجيال المقبلة من العيش في أمان واستقرار.
يتحدث أيضاً عن مسؤولية القارة الأوروبية التي تعاني من موجات الهجرة من مناطق التوتر في الشرق الأوسط، ويطلب أن يتم الالتفات للشعوب التي خرجت للمطالبة بالحرية والعدالة، ويحذر من انفلات الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا، مشدداً على المخاطر التي قد تترافق مع عودة غير مستبعدة لتنظيم داعش الإرهابي.
ومرة أخرى، يتحيز الملك لحق الشعوب عن التعبير عن نفسها، وعن مشروعية سعيها لفرصة عادلة لتشق طريقها إلى النجاح، في استقراء تاريخي مهم من جلالته لضمير الشعوب ونضالها، وفي دعوة من أجل مساندة الشعوب لانتهاج الطريق المسؤول تجاه التغيير، وهذه النبرة تأتي مختلفة في الشكل والموضوع عن المحاولات لفرض الوصاية على الشعوب على أساس المصائر التي أنتجها العقد الأخير والنتائج السلبية التي شهدها العالم.
يحذر الملك من الوقوف بسلبية أمام مخاطر صراع بين الولايات المتحدة وايران، وعن الفوضى التي قد يثيرها ذلك لتداخل واتساع رقعة الصراع، ويشترك الأردن والاتحاد الأوروبي في الرغبة لتحكيم العقل، ووقف الاستقطاب ووأد التصعيد.
ويستدعي الملك سيرة أخلاقية كبرى عندما يؤكد على وصية الراحل الحسين بالخوض في طريق السلام الذي يبقى الأسمى على الرغم من الصعوبة والمشاق.