رأينا
تحلّق الأردن بنموذج التآخي بين المسلمين والمسيحيين بعيداً عن حسابات المنطقة بأسرها، وتتجذر هذه الحالة في التاريخ منذ تتابع الفتوحات الإسلامية عبر الأردن إلى منطقتي الشام ومصر ومن ورائهما إلى آفاق بعيدة تشكل اليوم قلب العالم العربي والإسلامي، وتكتسب شرعية كبرى من وقفات مسيحيي الأردن وفلسطين في مواجهة الغزو الأوروبي للأراضي المقدسة.
وصلت هذه الحالة لذروة الامتزاج والسمو والترفع عن الصغائر ومسيحيو الأردن يرفلون تحت الراية الهاشمية التي استقرت على أصالة قرون من التاريخ لتستشرف المستقبل تحت لواء القيادة الحكيمة التي يتسنمها قائد الأردن وعميد آل البيت الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وليدحض مشهد اللقاء بين الملك ورؤساء الكنائس في الأردن والقدس، وفي صحبتهم نخبة من الشخصيات المسيحية وممثلو الأوقاف والهيئات الإسلامية المقدسية كل الأقاويل حول المأزق الحضاري للمسيحيين في المشرق العربي، فالملك بوصفه القامة الإسلامية والعربية الأمينة على شرعية ضاربة في التاريخ يعطي المثل الأكمل في العلاقة الطبيعية بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة، وتفند الحكمة الهاشمية بتسامحها وانفتاحها كل ما جرى استثماره في الوقيعة بين مكوني الأمة العربية الرئيسين.
المشهد الدافئ والصادق أظهر بوضوح مدى الوعي الإجتماعي والتاريخي الذي ترعاه القيادة في الأردن، ويعبر عنه ممثلو فئة عزيزة من الشعب الأردني، والأشقاء في فلسطين الذين يعرفون مدى موثوقية وتوطد الملاذ الهاشمي حين يتعلق الأمر بمقدساتهم وشرعية وجودهم، وكان رسالة مؤلمة ومريرة للجانب الإسرائيلي الذي يحاول أن يناور في النسيج الاجتماعي لفلسطين وعمقها وظهيرها في الأردن، وما لا يعرفه القائمون على القرار في اسرائيل أن التاريخ كان سيحمل أتباع الديانة اليهودية ليبحثوا عن موقع في البلاط الهاشمي إذا واجهوا أي مظلمة في محيطهم العربي لو مضت أحداث التاريخ بطريقة أخرى، وأن وجود اسرائيل غير الطبيعي وسلوكها العدواني هو ما يحول دون وجود هذه الحالة من التمازج والانصهار.
لم تستطع اسرائيل أن تحدث أي وقيعة تذكر بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، والمرجعية الهاشمية كانت أمراً جوهرياً في هذه الحالة من المنعة والاستعصاء لما تشكله الوصاية الهاشمية من أمر متفق عليه بين جميع المؤمنين على اختلاف دياناتهم في فلسطين، وليس أدل على ذلك من شهادة أحد قيادات القدس المسيحية في حق الملك والإشادة باهتمامه بالتحديات الواقعية التي عصفت بالمدينة وحياتها اليومية في السنوات الأخيرة، معدداً جانباً من المنجزات التي تحققت في ظل الوصاية الهاشمية وأثرها على تأكيد هوية المدينة التاريخية والسكانية في مواجهة محاولات الطمس والتشويه والتغيير.