د. هزاع عبد العزيز المجالي
حتى نكون أكثر إنصافاً وشفافية، لا بد من الإشادة بالتوجهات الحكومية الجادة المتعلقة بالإجراءات التي تتخذها فيما يتعلق بترشيد الإنفاق العام. والأهم من ذلك الاهتمام الجدي وغير المسبوق بالتقرير السنوي لديوان المحاسبة، الذراع الرقابي الأول المسؤول عن مراقبة إنفاق المال العام، والتأكد بأن الإجراءات والقرارات التي تتخذها الدوائر والمؤسسات الحكومية التي يترتب عنها كلف مالية غير مخالفة للقوانين والأنظمة المعمول بها.
ديوان المحاسبة يقوم بالعادة برفع تقريره السنوي إلى كل من رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، متضمناً تفصيلات المخالفات المالية لكافة مؤسسات ودوائر الدولة. ولقد أحسنت الحكومة منذ العام المنصرم بتشكيل لجنة متخصصة برئاسة وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء سامي الداوود، لدراسة ومراجعة كافة المخالفات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة بجدية وتحت طائلة المسؤولية القانونية، وبإحالة ما يثبت وجود شبهة جنائية إلى هيئة مكافحة الفساد والقضاء، وإعادة ما يمكن تصويبه إلى الدوائر المعنية. ولقد بلغت قيمة المخالفات حسب تقرير الديوان عن العام (2018) ما قيمته (110) مليون دينار.
كنت قد تحدثت في مقال سابق عن حجم الهدر المالي المتراكم في السنوات السابقة، الذي تضمنته تقارير ديوان المحاسبة، والتي تقدر بمئات الملايين، وتم التعامل معها بسطحية ولا مبالاة من قبل الحكومات السابقة، بإعادته إلى الدوائر والمؤسسات مصدر تلك المخالفات لمعالجتها دون أية متابعة أو تدقيق يذكر.
يخطئ من يعتقد أن تقرير ديوان المحاسبة رغم أهميته، يكفي وحده لضبط التجاوز في الإنفاق العام، فهناك هدر بمئات الملايين بسبب سوء إدارة ملف القضايا المرفوعة في المحاكم ضد مؤسسات الدولة المختلفة مثل: قضايا الاستملاك، التنظيم، العطل والضرر، القضايا العمالية، قضايا الاسترداد، منع مطالبة، وإلغاء القرارات الإدارية من قبل القضاء الإداري، ناهيك عن المبالغ المترتبة من الفوائد القانونية الناجمة عن التأخر بالدفع، والتي تصل إلى ما نسبته من (5% إلى 9%) بسبب عدم رصد مبالغ تقديرية في موازنة تلك المؤسسات، لتغطي قيمة هذه القضايا مسبقاً، وغيرها من القضايا التي لا يتسع المقام للحديث عنها، والتي أجزم أن خسائر الدولة في هذه القضايا تقدر بمئات الملايين.
إن المطلع على الأسباب والمسببات التي تؤدي إلى ارتفاع حجم خسائر الدولة لهذه القضايا، لا بد أن يتذكر مقولة: «شر البلية ما يضحك» فهناك من جهة أهمال ولا مبالاة، وضعف قانوني وترهل إداري في التعامل مع هذه القضايا من قبل الدوائر المعنية في هذا الموضوع، ومن جهة أخرى هناك مشكلة في التعامل مع هذه القضايا اثناء النظر بها أمام المحاكم المختصة، سواءً ما يتعلق بالوثائق المطلوبة، أو ما يتعلق بتقدير الخبراء للقيم المالية، والتي تكون مبالغاً فيها، ومنها ما يشوبها شبهة الفساد. والأهم من ذلك عدم وجود تغذية راجعة تجنب تلك المؤسسات الوقوع في نفس الأخطاء، وفي النهاية وكجزء من الحل لا بد من أن تولي الدوائر القانونية أهمية أكبر في اتخاذ القرار، وأن تتوفر على كافة الإمكانيات البشرية والمعرفية.. وللحديث بقية.