رأينا
يقود الكويت منذ سنوات أحد أعمدة الدبلوماسية العربية في تاريخها الممتد، ويحتل صاحب السمو الأمير صباح الأحمد الصباح مكانه المستقر بين حكماء وأمناء مسيرة العمل العربي المشترك، ولا نفارق الحقيقة أن نهج أمير الكويت التصالحي الباحث عن الوئام وتقريب وجهات النظر بين الدول العربية يعد علامة فارقة في وسط حالة غير مسبوقة من التشظي، و لذلك يعتبر اللقاء الذي جمعه بجلالة الملك أمس بالكويت مدعاة لقراءة تتجاوز الأبعاد البروتوكولية.
منذ تسنمه لعرش المملكة يتصدى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين لتمثيل المجموعة العربية، سواء في حالات توافقها، أو تباين مواقفها، على المستوى الدولي، بل ويحمل مسؤوليات جسيمة تتركز في الدفاع عن صورة العرب والمسلمين كشعوب متحضرة تستطيع أن تسهم وأن تترك أثراً عميقاً وملموساً في الحضارة العالمية، مع تركيز كبير في ملف القضية الفلسطينية والصراع على هوية ومستقبل المقدسات الدينية للمسلمين والمسيحيين في المدينة.
بين مدرستين في العمل الدبلوماسي والسياسي على مستوى التعاون الدولي تتكامل بذرة طيبة تستحق أن تستثمر المجموعة العربية في تعزيزها تجاه تدارك الخلافات القائمة وطي صفحات الصراع بين الأشقاء العربي نظراً لضرورة التعامل مع ملفات معقدة وثقيلة ستحدد شكل المنطقة العربية لعقود قادمة.
مر كل من الأردن والكويت بتجارب مهمة في التسامح وتسوية الخلافات العالقة، واكتسبا خبرة واسعة في التعامل مع الخلافات وأخذ قدم المبادرة في التقارب والتعاون من جديد، فتجربة الكويت المعروفة بعد الغزو العراقي تبقى حاضرة ويبقى تصرف الكويتيين الملهم في التعالي عن الصغائر حاضراً، ولدى الأردن تجاربه في مواقف كثيرة، فكانت الدولة التي قادت تقارباً مع مصر بعد المقاطعة العربية وطوت صفحات الخلاف العديدة مع جيرانها، بل وتعاملت بحكمة كثيراً مع حالات التصعيد في الخطاب الرسمي والإعلامي، وتعكس هذه المواقف ما تحتاجه الأسرة العربية اليوم في وسط محيط من الفوضى والاضطراب.
مرة أخرى يحضر الحديث عن أمن الخليج، ومن جديد يثبت الأردن بأن موقفه من الخليج يبرأ من الاستعراض، بما يؤكد الحكمة الكويتية التي ارتأت بأن الأردن يبقى الأقرب لمنطقة الخليج والأقدر على فهمها والتعاون معها، وهو ما تتعامل على أساسه القيادة الأردنية ويستقر في وعي الشعب الأردني وضميره، ومرة أخرى، تؤكد القيادات في البلدين على أولوية القضية الفلسطينية وأهميتها كمدخل للأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، وهو ما يمهد لاستئناف طريق نضال طويل تجاه استعادة الحقوق العربية ترافقت فيه خطوات الأردن والكويت منذ الخمسينيات وحتى اليوم.
تنضم صور الزيارة الأخيرة وكل الأجواء الأخوية المخلصة والصادقة إلى ألبوم طويل يجمع الأردن والكويت ويحتل مكاناً متقدماً في العلاقات العربية التي طالما شهدت حالات غير مبررة من الجفاء والتوتر ليعيد الروح للإخاء العربي الذي يعتبره البعض جزءاً من الماضي بينما هو في حقيقته الطريق الوحيد للمستقبل.